للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوفّقه لعزيمة الرّشد وصريمته (١)، والإقساط فيما ولّاه الله من رعيته برحمته ومنّته.

وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم، والسّواد (٢) الأكبر، من حشو الرّعية، وسفلة العامّة، ممن لا نظر له ولا رويّة، ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته، ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه فى جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة بالله، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به، ونكوب (٣) عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور أن يقدروا الله حقّ قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرّقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم، ونقص عقولهم، وجفائهم عن التفكّر والتذكّر، وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا (٤) مجتمعين، واتفقوا غير متعاجمين، على أنه قديم أوّل، لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه، وقد قال الله عزّ وجل فى محكم كتابه الذى جعله لما فى الصدور شفاء، وللمؤمنين رحمة وهدى: «إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» فكلّ ما جعله الله فقد خلقه، وقال:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ»، وقال عز وجل: «كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ، فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها، وتلا به متقدّمها، وقال: «الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» وكل محكم مفصّل فله محكم مفصّل، والله محكم كتابه ومفصّله، فهو خالقه ومبتدعه.

ثم هم الذين جادلوا بالباطل، فدعوا إلى قولهم، ونسبوا أنفسهم إلى السّنّة، وفى كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته، مبطل قولهم، ومكذّب دعواهم، يردّ عليهم قولهم ونحلتهم (٥)، ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحقّ والدين والجماعة،


(١) الصريمة: العزيمة وقطع الأمر. والإقساط: العدل.
(٢) السواد: العدد الكثير وعامة الناس.
(٣) أى عدول.
(٤) أطبق القوم على الأمر: أجمعوا.
(٥) النحلة: الدعوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>