للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك على الناس، وغرّوا به الجهّال، حتى مال قوم من أهل السّمت (١) الكاذب، والتخشّع لغير الله، والتقشّف لغير الدين، إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سيّئ آرائهم، تزيّنا بذلك عندهم، وتصنّعا للرّياسة والعدالة فيهم، فتركوا الحقّ إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة (٢) إلى ضلالتهم، فقبلت بتزكيتهم لهم شهادتهم، ونفذت أحكام الكتاب بهم على دغل (٣) دينهم، ونغل أديمهم، وفساد نيّاتهم ويقينهم، وكان ذلك غايتهم التى إليها أجروا، وإياها طلبوا فى متابعتهم، والكذب على مولاهم، وقد أخذ عليهم ميثاق الكتاب- أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.

فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شرّ الأمة، ورءوس الضّلالة، المنقوصون من التوحيد حظّا، والمخسوسون (٤) من الإيمان نصيبا، وأوعية الجهالة، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق فى أوليائه، والهائل على أعدائه من أهل دين الله، وأحقّ من يتّهم فى صدقه، وتطرح شهادته، ولا يوثق بقوله ولا عمله، فإنه لا عمل إلا بعد يقين، ولا يقين إلا بعد استكمال حقيقة الإسلام، وإخلاص التوحيد، ومن عمى عن رشده وحظّه من الإيمان بالله وبتوحيده، كان عما سوى ذلك من عمله والقصد فى شهادته أعمى وأضلّ سبيلا، ولعمر أمير المؤمنين إن أحجى (٥) الناس بالكذب فى قوله، وتخرّص الباطل فى شهادته، من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله


(١) السمت: هيئة أهل الخير.
(٢) الوليجة: خاصتك، أو من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك.
(٣) الدغل: الفساد، ونغل الأديم كفرح: فسد فى الدباغ.
(٤) خس نصيبه: جعله خسيسا دنيئا حقيرا.
(٥) أى أجدرهم، يقال: هو حجى به كغنى، وحج كشج، وحجى كفتى أى جدير، وتخرص عليه: افترى ..

<<  <  ج: ص:  >  >>