للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


حتى مات الواثق (سنة ٢٣٢ هـ) وولى المتوكل، فكتب إلى الآفاق برفع المحنة، ومنع الناس من المناظرات فى الآراء والمذاهب، وقرب منه أهل السنة، وأمر بإحضار الإمام أحمد وإكرامه وإعزازه، وأطلق له ما لا كثيرا فلم يقبله، وفرقه على الفقراء والمساكين، وأجرى على أهله وولده فى كل شهر أربعة آلاف درهم فلم يرض بذلك، ولم يحفل المتوكل بالمعتزلة فخمدت نارهم، وتضاءل أمرهم- انظر حياة الحيوان الكبرى للدميرى ١: ١١٥، ١٢٢، ومروج الذهب ٢: ٣٦٩.
وممن عضته هذه المحنة بأنيابها فى عهد الواثق أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطى المصرى صاحب الإمام الشافعى، دعى إلى القول بخلق القرآن، فامتنع منه، فحمل من مصر إلى العراق مقيدا حتى مات فى أقياده محبوسا صابرا على ما أصابه من الأذى، وكان مقيدا إلى أنصاف ساقيه؛ مغلولة يداه إلى عنقه، قال الربيع بن سليمان: رأيت البويطى على بغل فى عنقه غل وفى رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه وتعالى الخلق «بكن» فإذا كانت «كن» مخلوقة فكأن مخلوقا خلق مخلوقا، فو الله لأموتن فى حديدى حتى يأتى من بعدى قوم يعلمون أنه مات فى هذا الشأن قوم فى حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه- يعنى الواثق- وقال الربيع أيضا: كتب إلى أبو يعقوب من السجن: إنه ليأتى على أوقات لا أحس بالحديد إنه على بدنى حتى تمسه يدى، وتوفى سنة ٢٣١ هـ فى القيد والسجن ببغداد- انظر تبيين كذب المقترى ص ٣٤٨، ووفيات الأعيان ٢: ٣٤٧.
ومنهم نعيم بن حماد، وقد مات فى سجن الواثق مقيدا أيضا- انظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادى ج ٥: ص ١٧٧.
ومنهم أحمد بن نصر الخزاعى قتله الواثق وصلبه سنة ٢٣١ هـ ذكروا أن ثمامة بن أشرس سعى به إلى الواثق، وذكر له أنه يكفر من يقول بخلق القرآن، ومن ينكر رؤية الله تعالى يوم القيامة فأحضره الواثق وقال له: ما تقول فى القرآن؟ قال: كلام الله، قال: أفمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله، قال:
أفترى ربك يوم القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية، فقال: ويحك؟ يرى كما يرى المحدود المتجسم، يحويه مكان، ويحصره الناظر؟ أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن ابن إسحق- وكان قاضيا على الجانب الغربى ببغداد فعزل- هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبى دؤاد أنه كاره لقتله. فقال للواثق: يا أمير المؤمنين، شيخ مختل، لعل به عاهة أو تغير عقل، يؤخر أمره، فقال الواثق: ما أراه إلا مؤديا لكفره، ودعا الواثق بالصمصامة، وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معى، فإنى أحتسب خطاى إلى هذا الكافر الذى يعبد ربا لا نعبده، ولا نعرفه بالصفة التى وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد، فنصب فى الجانب الشرقى أياما، وفى الجانب الغربى أياما، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا فى الحبوس، ولم يزل رأسه منصوبا ببغداد، وجسده بسر من رأى ست سنين إلى أن حط وجمع بين رأسه وبدنه- انظر الفرق بين الفرق ص ١٥٩، وتاريخ بغداد ج ٥ ص ١٧٣ - ١٨٠، وحياة الحيوان الكبرى للدميرى ١: ١١٩، ومروج الذهب ٢: ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>