السياط. قال الإمام أحمد: وكان عندى شعرات من شعر النبى صلى الله عليه وسلم قد صررتها فى كم قميصى، فجاء بعض القوم إلى قمبصى ليحرقه، فقال المعتصم: لا تحرقوه وانزعوه عنه وإنما درىء عن القميص الحرق ببركة شعر النبى صلى الله عليه وسلم، وشدوا يديه فتخلعتا- ولم يزل أحمد يتوجع منهما حتى مات- ثم قال المعتصم للجلادين: تقدموا، ونظر إلى السياط فقال: ايتوا بغيرها، ثم قال لأحدهم: أذمه (أى أسل دمه. من ذم أنفه وذن إذا سال) وأوجع، قطع الله يدك، فتقدم وضربه سوطين ثم تنحى، ثم قال لآخر: أذمه وشد، قطع الله يدك، فتقدم وضربه سوطين ثم تنحى، ولم يزل يدعو رجلا رجلا فيضربه كل واحد سوطين ويتنحى، ثم قام المعتصم وجاءه وهم محدقون به، وقال: يأحمد تقتل نفسك! أجبنى حتى أطلق غلك بيدى، وجعل بعضهم يقول له: يأحمد، إمامك على رأسك قائم فأجبه، وعجيف ينخسه بالسيف ويقول: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ وبعضهم يقول: يأمير المؤمنين اجعل دمه فى عنقى، فرجع المعتصم إلى الكرسى، ثم قال للجلاذ: أذمه، قطع الله يدك، ثم جاء المعتصم إليه ثانيا وقال: يأحمد أجبنى، فقال كالأول. فرجع المعتصم وجلس على الكرسى، ثم قال للجلاد: شد عليه، قطع الله يدك، قال أحمد: فذهب عقلى، فما عقلت إلا وأنا فى حجرة مطلق عنى، كل ذلك وهو صائم لم يفطر، وكان ذلك فى العشر الأخيرة من رمضان سنة ٢٢٠ هـ، ثم وجه المعتصم رجلا ينظر الضرب والجراحات ويعالجه، فنظر إليه وقال: والله لقد رأيت من ضرب ألف سوط، فما رأيت أشد ضربا من هذا ثم عالجه، وبقى أثر الضرب بينا فى ظهره إلى أن مات (سنة ٢٤١ هـ) - انظر تاريخ الطبرى ١٠: ٢٩٢ وتبيين كذب المفترى ص ٣٤٩، وحياة الحيوان الكبرى للدميرى ١: ١١٥ - ١١٧، ووفيات الأعيان ١: ١٧، ومروج الذهب ٢: ٣٤٨. ولم يزل ابن حنبل بعد ضربه يحضر الجمعة والجماعات ويفتى ويحدث إلى أن مات المعتصم (سنة ٢٢٧ هـ)، وولى الواثق فأظهر ما أظهره المأمون والمعتصم من المحنة، وقال للإمام أحمد: لا تجمعن إليك أحدا، ولا تساكنى فى بلد أنا فيه، فأقام الإمام أحمد مختفيا لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها-