للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد بشر بن الوليد، وإبراهيم بن المهدى، فاحملهم أجميعن موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين، مع من يقوم بحفظهم وحراستهم فى طريقهم، حتى يؤدّيهم إلى عسكر أمير المؤمنين ويسلّمهم إلى من يؤمن بتسليمهم إليه، لينصّهم أمير المؤمنين، فإن لم يرجعوا ويتوبوا، حملهم جميعا على السيف إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.

وقد أنفذ أمير المؤمنين كتابه هذا فى خريطة بنداريّة (١)، ولم ينظر به اجتماع الكتب الخرائطيّة، معجّلا به، تقرّبا إلى الله عزّ وجلّ بما أصدر من الحكم، ورجاء ما اعتمد، وإدراك ما أمّل من جزيل ثواب الله عليه، فأنفذ لما أتاك من أمير المؤمنين وعجل إجابة أمير المؤمنين بما يكون منك فى خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط، لتعرّف أمير المؤمنين ما يعملونه إن شاء الله (٢)».

وكتب سنة ٢١٨ هـ. (تاريخ الطبرى ١٠: ٢٨٩)


(١) الخريطة. وعاء من أدم وغيره يشد على ما فيه، وبندارية نسبة إلى بندار، وقد تقدم أنه التاجر الذى يخزن البضائع للغلاء- فهو كثير المال- والظاهر أن الخريطة البندارية كانت تمتاز عن سائر الخرائط، بمتانة صنعها وإحكامها واتساعها لمقدار من النقود كبير، وأنظره: أخره.
(٢) فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن مخلوق إلا أربعة نفر، وهم: أحمد ابن حنبل وسجادة والقواريرى ومحمد بن نوح، فأمر بهم إسحق بن إبراهيم فشدوا فى الحديد، فلما كان من الغد دعا بهم جميعا يساقون فى الحديد، فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر الآخرون على قولهم، فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضا فأعاد عليهم القول، فأجاب القواريرى إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا، فشدا جميعا فى الحديد، ووجها إلى طرسوس «بفتح الطاء والراء:
مدينة ببلاد الروم (الأناضول) بينها وبين أذنة (أطنة) ستة فراسخ، وكان المأمون قد خرج إليها غازيا فأدركته منيته بها، وفيها قبره» ومات ابن نوح فى طريقه إليها.
واتفق أن مات المأمون قبل وصول ابن حنبل إليه (سنة ٢١٨ هـ) وعهد إلى أخيه المعتصم بالخلافة وأوصاه أن يحمل الناس على القول بخلق القرآن، واستمر الإمام أحمد محبوسا إلى أن امتحنه المعتصم.
واستتماما للفائدة نسوق إليك بقية الخبر فى هذه المسألة فنقول: أحضر المعتصم الإمام أحمد، وعقد له مجلسا للمناظرة، وفيه عبد الرحمن بن إسحق والقاضى أحمد بن أبى داود وغيرهما، فناظروه ثلاثة أيام ولم يزل معهم فى جدال إلى اليوم الرابع، فأمر المعتصم بضربه بالسياط، ولم يحل عن رأيه إلى أن أغمى عليه، ونخسه عجيف بن عنبسة بالسيف، ورمى عليه بارية (وهى الحصير المنسوج) وديس عليه ثم حمل إلى منزله بعد أن ضرب ثمانية وثلاثين سوطا، وكانت مدة مكثه فى السجن ثمانية وعشرين شهرا.-

<<  <  ج: ص:  >  >>