(٢) فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن مخلوق إلا أربعة نفر، وهم: أحمد ابن حنبل وسجادة والقواريرى ومحمد بن نوح، فأمر بهم إسحق بن إبراهيم فشدوا فى الحديد، فلما كان من الغد دعا بهم جميعا يساقون فى الحديد، فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر الآخرون على قولهم، فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضا فأعاد عليهم القول، فأجاب القواريرى إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا، فشدا جميعا فى الحديد، ووجها إلى طرسوس «بفتح الطاء والراء: مدينة ببلاد الروم (الأناضول) بينها وبين أذنة (أطنة) ستة فراسخ، وكان المأمون قد خرج إليها غازيا فأدركته منيته بها، وفيها قبره» ومات ابن نوح فى طريقه إليها. واتفق أن مات المأمون قبل وصول ابن حنبل إليه (سنة ٢١٨ هـ) وعهد إلى أخيه المعتصم بالخلافة وأوصاه أن يحمل الناس على القول بخلق القرآن، واستمر الإمام أحمد محبوسا إلى أن امتحنه المعتصم. واستتماما للفائدة نسوق إليك بقية الخبر فى هذه المسألة فنقول: أحضر المعتصم الإمام أحمد، وعقد له مجلسا للمناظرة، وفيه عبد الرحمن بن إسحق والقاضى أحمد بن أبى داود وغيرهما، فناظروه ثلاثة أيام ولم يزل معهم فى جدال إلى اليوم الرابع، فأمر المعتصم بضربه بالسياط، ولم يحل عن رأيه إلى أن أغمى عليه، ونخسه عجيف بن عنبسة بالسيف، ورمى عليه بارية (وهى الحصير المنسوج) وديس عليه ثم حمل إلى منزله بعد أن ضرب ثمانية وثلاثين سوطا، وكانت مدة مكثه فى السجن ثمانية وعشرين شهرا.-