للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يستعين فى أحواله كلّها إلا به، ويسأله أن يصلّى على محمد عبده ورسوله وصفوته من عباده، الذى ارتضاه لنبوّته، وابتعثه بوحيه، واختصّه بكرامته، فأرسله بالحق شاهدا ومبشّرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، والحمد لله الذى توجّه لأمير المؤمنين بصنعه، فيسّر له أمره، وصدّق له ظنّه، وأنجح له طلبته، وأنفذ له حيلته، وبلغ له محبّته، وأدرك المسلمون بثأرهم على يده، وقتل عدوّهم، وأسكن روعتهم (١)، ورحم فاقتهم، وآنس وحشتهم، فأصبحوا آمنين مطمئنين مقيمين فى ديارهم، متمكّنين فى أوطانهم، بعد القتل والخوف والتشريد وطول العناء، وتتابع البلاء، منّا من الله عز وجل على أمير المؤمنين بما خصّه به، وصنعا له فيما وفّقه لطلبه، وكرامة زادها فيما أجرى على يده، فالحمد لله كثيرا كما هو أهله، ونرغب إلى الله فى تمام نعمه، وداوم صنعه، وسعة ما عنده بمنّه ولطفه.

ولا يعلم أمير المؤمنين- مع كثرة أعداء المسلمين، وتكنفّهم (٢) إياه من أقطاره، والضغائن التى فى قلوبهم على أهله، وما يترصّدونه من العداوة، وينطوون عليه من المكايدة، إذ كان هو الظاهر عليهم (٣)، والآخذ منهم- عدوّا كان أعظم بليّة، ولا أجلّ خطبا، ولا أشدّ كلبا (٤)، ولا أبلغ مكايدة، ولا أرمى بمكروه، من هؤلاء الكفرة الذين يغزوهم المسلمون، فيستعلون عليهم، ويضعون أيديهم حيث شاءوا منهم، ولا يقبلون لهم صلحا، ولا يميلون معهم إلى موادعة، وإن كان لهم- على طول الأيام، وتصرف الحالات، وبعض ما لا يزال يكون من فئات ولاة الثغور- أدنى دولة من دولات الظفر، وخلسة من خلس الحرب، كان بما لهم من خوف العاقبة فى ذلك منغّصا لما تعجّلوا من سروره، وما يتوقعون من الدوأر بعد، مكدّرا لما وصل إليهم من فرحة.


(١) أى فزعهم.
(٢) تكنفوه: أحاطوا به.
(٣) أى الغالب لهم.
(٤) من كلب الزمان والشتاء كفرح: أى اشتد.

<<  <  ج: ص:  >  >>