للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على أن القوم لم يكونوا إلّا فى طريق التمرّد على الله عز وجل، والاستخفاف بالدين، والتهاون بالمسلمين، والابتذال لأهل الحق، أكل أمرائهم الطعام، وشربهم الشراب، على منابرهم أيام جمعهم (١) وجموعهم، فعل ذلك حبيش ابن دلجة (٢)، وطارق (٣) مولى عثمان، والحجاج بن يوسف وغيرهم، وذلك إن كان كفرا كلّه فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا، وروافض دهرنا، لأن جنس كفر هؤلاء غير كفر أولئك. كان اختلاف الناس فى القدر على أن طائفة تقول: كلّ شىء بقضاء وقدر، وتقول طائفة أخرى: كل شىء بقضاء وقدر إلا المعاصى، ولم يكن أحد يقول: إن الله يعذب الأبناء ليغيظ الآباء، وإن الكفر والإيمان مخلوقان فى الإنسان مثل العمى والبصر، وكانت طائفة منهم تقول: إن الله يرى، لا تزيد على ذلك، فإن خافت أن يظنّ بها التشبيه، قالت: يرى بلا كيف، تقزّزا من التجسيم والتصوير، حتى نبتت هذه النابتة، وتكلمت هذه الرافضة، فقالت جسيما، وجعلت له صورة وحدّا، وأكفرت من قال بالرؤية على غير التجسيم والتصوير.

ثم زعم أكثرهم أن كلام الله حسن وبيّن وحجة وبرهان، وأن التوراة غير الزّبور، والزّبور غير الإنجيل، والإنجيل غير القرآن، والبقرة غير آل عمران، وأن الله تولى تأليفه، وجعله برهانه على صدق رسوله، وأنه لو شاء أن يزيد فيه زاد، ولو شاء أن ينقص منه نقص، ولو شاء أن يبدّله بدّله، ولو شاء أن ينسخه كله بغيره نسخه، وأنه نزله تنزيلا. وأنه فصّله تفصيلا، وأنه بالله كان دون غيره، ولا يقدر


(١) وجاء فى شرح ابن أبى الحديد أيضا: «وكانت خطباء بنى أمية تأكل وتشرب على المنبر يوم الجمعة، لإطالتهم فى الخطبة، وكان المسلمون تحت منبر الخطبة يأكلون ويشربون».
(٢) فى الأصل «حسن» وهو تحريف، وقد قدمنا لك أن عبد الملك بعثه فى جيش إلى المدينة، فلما دخلها جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بخبز ولحم فأكل، ثم دعا بماء فتوضأ على المنبر- انظر العقد الفريد ٢: ٢٦٣.
(٣) هو طارق بن عمرو، مولى عثمان، ولاه عبد الملك المدينة سنة ٧٣ هـ، فوليها خمسة أشهر، ثم عزله عنها واستعمل عليها الحجاج سنة ٧٤ هـ- انظر تاريخ الطبرى ٧: ٢٠٥، ٢٠٦.
(٥ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>