للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتل على ذلك إلا أقبح من إنكاره، فكيف يكفّر العبد بشىء ولا يكفر بأعظم منه؟

وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة، وخوّفهم العواقب، وأراهم أن فى الناس بقيّة ينهون عن الفساد فى الأرض، حتى قام عبد الملك بن مروان، والحجاج ابن يوسف، فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه، وقتلا فيه، فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فاحسب تحويل القبلة كان غلطا، وهدم البيت كان تأويلا، واحسب ما رووا من كل وجه أنهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء فى أهله أرفع عنده من رسوله إليهم (١)، باطلا ومسموعا مولّدا، واحسب وسم أيدى المسلمين (٢)، ونقش أيدى المسلمات، وردّهم بعد الهجرة إلى قراهم، وقتل الفقهاء، وسبّ أئمة الهدى، والنّصب لعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يكون كفرا، كيف تقول فى جمع ثلاث صلوات فيهن الجمعة، ولا يصلّون أولاهنّ حتى تصير الشمس على أعالى الجدران كالملاء المعصفر (٣)، فإن نطق مسلم خبط بالسيف، وأخذته العمد، وشكّ بالرماح، وإن قال قائل: اتق الله، أخذته العزّة بالإثم، ثم لم يرض إلا بنثر دماغه على صدره، وبصلبه حيث تراه عياله.


(١) عقد صاحب العقد الفريد ١٩ فى أخبار الحجاج فصلا فيمن زعم أنه كان كافرا (ج ٣:
ص ١٩) جاء فيه أنه قال فى كلام له: «ويحكم! أخليفة أحدكم فى أهله أكرم عليه، أم رسوله إليهم؟ » وجاء فى شرح ابن أبى الحديد م ٣: ص ٤٧٠ «وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله بالمدينة فقال: تبا لهم، إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله! »
(٢) وجاء فى شرح ابن أبى الحديد أيضا: «وكانت بنو أمية تختم فى أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم، ونقشوا أكف المسلمين علامة لاسترقاقهم، كما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة» وجاء فى تاريخ الطبرى ٧: ٢٠٦ «وفى سنة ٧٤ استعمل عبد الملك الحجاج على المدينة، فكان يتعبث بأهلها ويتعنتهم، واستخف فيها بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فختم فى أعناقهم، وعن إسحق بن يزيد أنه رأى أنس بن مالك مختوما فى عنقه، يريد أن يذله بذلك، ودعا الحجاج سهل بن سعد، فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان؟ قال: قد فعلت، قال: كذبت، ثم أمر به فختم فى عنقه برصاص».
(٣) أى المصبوغ بالعصفر- كبرقع وهو صبغ أصفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>