للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان تجوير النابتىّ لربه، وتشبيهه بخلقه، أعظم من ذلك وأفظع، على أنهم مجمعون على أنه: ملعون من قتل مؤمنا، متعمّدا أو متأوّلا، فإذا كان القاتل سلطانا جائرا، أو أميرا عاصيا، لم يستحلّوا سبّه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه، وإن أخاف الصلحاء، وقتل الفقهاء، وأجاع الفقير، وظلم الضعيف، وعطّل الحدود والثّغور، وشرب الخمور، وأظهر الفجور! ثم ما زال الناس يتسكّعون مرة، ويداهنونهم مرة، ويقاربونهم مرة، ويشاركونهم مرة، إلّا بقيّة ممّن عصمه الله تعالى ذكره، حتى قام عبد الملك بن مروان، وابنه الوليد، وعاملهما الحجاج بن يوسف، وموه لا يزيد بن أبى مسلم، فأعادوا على البيت بالهدم (١)، وعلى حرم المدينة بالغزو (٢)، فهدموا الكعبة، واستباحوا الحرمة، وحوّلوا قبلة واسط (٣)، وأخّروا صلاة الجمعة إلى مغيربان (٤) الشمس، فإن قال رجل لأحدهم: اتّق الله فقد أخّرت الصلاة عن وقتها، قتله على هذا القول جهارا غير ختل (٥)، وعلانية غير سرّ، ولا يعلم


(١) يعنى ما كان من مقاتلة الحجاج عبد الله بن الزبير بمكة وحصره إياه ورميه الكعبة بالمنجنيق فى عهد عبد الملك بن مروان سنة ٧٣ - انظر تاريخ الطبرى ٧: ٢٠٢ (والمنجنيق بفتح الميم وتكسر:
آلة ترمى بها الحجارة).
(٢) بعث عبد الملك بن مروان سنة ٦٥ حبيش بن دلجة القيسى فى سبعة آلاف إلى المدينة فدخلها ثم خرج إلى الربذة (قرب المدينة) وقدم عليه مدد من الشام، وكتب عبد الله بن الزبير إلى عياش ابن سهل الساعدى بالمدينة أن يسير إلى حبيش فسار إليه، وقد وافاه مدد من البصرة، ونشب القتال بين الفريقين، فقتل حبيش ومن معه- انظر العقد الفريد ٢: ٢٦٣، وتاريخ الطبرى ٧: ٨٤.
(٣) انظر ص ٩ من الجزء الثالث.
(٤) أى إلى غروبها، نقل ابن أبى الحديد فى شرحه م ٣: ص ٤٧٠: «كان بنو أمية يؤخرون صلاة الجمعة تشاغلا عنها بالخطبة، ويطيلون فيها إلى أن تتجاوز وقت العصر، وتكاد الشمس تصفر، فعل ذلك الوليد بن عبد الملك، ويزيد أخوه، والحجاج عاملهم، ووكل بهم الحجاج المسالح معه (والمسالح جمع مسلحة بالفتح: وهى القوم ذو وسلاح) والسيوف على رءوسهم، فلا يستطيعون أن يصلوا الجمعة فى وقتها، وقال الحسن البصرى: وا عجبا من أخيفش أعيمش، جاءنا ففتننا عن ديننا، وصعد على منبرنا، فيخطب والناس يلنفتون إلى الشمس، فيقول: ما بالكم تلتفتون إلى الشمس! إنا والله ما نصلى للشمس، إنما نصلى لرب الشمس، أفلا تقولون: يا عدو الله، إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقا النهار لا يقيله بالليل؟ ثم يقول الحسن: وكيف يقولون ذلك، وعلى رأس كل واحد منهم علج قائم بالسيف» اقرأ هناك فصلا طويلا فى مقابح بنى أمية.
(٥) الختل: الخداع.

<<  <  ج: ص:  >  >>