للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن زياد وأبيه، ولو ثبت أيضا على يزيد أنه تمثّل بقو وابن الزّبعرى (١):

ليت أشياخى ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل (٢)

لاستطاروا واستهلّوا فرحا ... ثم قالوا يا يزيد لا تشلّ (٣)

قد قتلنا الغرّ من ساداتهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل (٤)


تعالى منزه أن يضاف إليه شر أو ظلم، وفعل هو كفر ومعصية، لأنه لو خلق الظلم كان ظالما، كما لم خلق العدل كان عادلا، واتفقوا على أن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وسموا هذا النمط عدلا» اهـ. وجاء أيضا فى مروج الذهب ج ٢: ص ١٩٠ فى تفسير الأصول الخمسة التى يذهب إليها المعتزلة: «وأما القول بالعدل- وهو الأصل الثانى- فهو أن الله لا يحب الفساد، ولا يخلق أفعال العباد، بل يفعلون ما أمروا به ونهوا عنه، بالقدرة التى جعلها الله لهم، وركبها فيهم .... الخ» ومن ذلك ترى أنهم ينزهون الله تعالى عن أن يقدر على العبد المعصية ثم يعذبه عليها، بل العبد هو الذى يفعل أفعاله جميعا بإرادته وقدرته، ويستحق عليها الثواب أو العقاب، وهذا عدل منه تعالى.
ولا يغيب عنك أن الجاحظ كان من شيوخ المعتزلة وكبرائهم، وهو تلميذ أبى إسحق إبراهيم ابن سار النظام، المعتزلى المشهور، وقد نصر الجاحظ مذهب المعتزلة بفصاحته وكتبه البليغة حتى صار لسان المعتزلة فى زمانه، وكان رئيس فرقة منهم نسبت إليه، فسميت «الجاحظية» - انظر الملل والنحل ١: ٨٠ وسرح العيون ص ١٧٠ ووفيات الأعيان.
(١) هو عبد الله بن الزبعرى؛ أحد شعراء قريش المعدودين، وكان يهجو المسلمين، ويحرض عليهم كفار قريش فى شعره، ثم أسلم فقبل النبى إسلامه وأمنه يوم الفتح- انظر ترجمته فى الأغانى ١٤: ١١ - وفى رواية أن يزيد تمثل بقول ابن الزبعرى حينما جىء إليه برأس الحسين وآله كما قدمنا- انظر بلاغات النساء ص ٢٥ - وفى رواية أخرى أنه حين بعث إليه مسلم بن عقبة المرى برءوس أهل المدينة (بعد انتصاره عليهم فى وقعة الحرة سنة ٦٣) وألقيت بين يديه، جعل يتمثل بقول ابن الزبعرى المذكور، فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين. قال: بلى نستغفر الله، قال: والله لا ساكنتك أرضا أبدا وخرج عنه- انظر العقد الفريد ٢: ٢٥٧ - .
(٢) هذا البيت من قصيدة قالها ابن الزبعرى يوم أحد (وهو حينئذ مشرك) انظرها فى سيرة ابن هشام ٢: ١١٢، وشرح ابن أبى الحديد م ٣ ص ٣٨٢ - وكانت الغلبة يوم بدر للمسلمين. ويوم أحد للمشركين، والأسل: الرماح والنبل، والخروج: قبيلة من الأنصار.
(٣) كل من رفع صوته فقد أهل إهلالا، واستهل استهلالا، وشلت يده تشل. كتعب يتعب وأشلت وشلت مبنيين للمجهول: ببست، وهى جملة دعائية، وفى الأصل «لا تسل» وهو تصحيف- وهذا البيت من قول يزيد-.
(٤) فى سيرة ابن هشام:
فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل
وفى ابن أبى الحديد: «فقتلنا النصف ... » وفى بلاغات النساء: «فجزيناهم ببدر مثلها».

<<  <  ج: ص:  >  >>