للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحسن التعهّد والتوفير، دليل على خبىء سوء، وشاهد على عيب وإدبار، بعد أن كنت تستثقل ذكرهم، وتستشنع فعلهم، وتتعجّب من مذهبهم، وتسرف فى ذمّهم، وليس يلهج بذكر الجمع (١) إلا من قد عزم على الجمع، ولا يأنس بالبخلاء إلا المستوحش من الأسخياء، وفى تحفّظك قول سهل بن هرون: فى الاستعداد فى حال المهلة، وفى الأخذ بالثقة (٢)، وأن أقبح التفريط ما جاء مع طول المدة، وأن الحزم كلّ الحزم، والصواب كلّ الصواب، أن تستظهر على الحدثان (٣)، وأن تجعل ما فضل عن قوام الأبدان، ردءا (٤) دون صروف الزمان، وأنّا لا ننسب إلى الحكمة، حتى نحوط أصل النعمة، بأن نجعل دون فضولها جنّة (٥)، شاهد (٦) على عجبك بمذهبه، وبرهان على ميلك إلى سبيله، وفى استحسانك رواية الأصمعى فى: «أن أكثر أهل النار النساء والفقراء، وأن أكثر أهل الجنة البله والأغنياء، وأن أرباب الدّثور هم الذين ذهبوا بالأجور (٧)» برهان (٨) على صحة حكمنا عليك، ودليل على صواب رأينا فيك، وفى تفضيلك (٩) كلام ابن غزوان حين قال: تنعمتم بالطعام الطيّب، وبالثياب الفاخرة، وبالشراب الرقيق، وبالغناء المطرب، وتنعمنا بعز الثروة، وبصواب النظر فى العاقبة، وبكثرة المال، والأمن من سوء الحال، ومن ذل الرغبة إلى الرجال، والعجز عن مصلحة العيال، فتلك لذّتكم، وهذه لذتنا، وهذا رأينا فى التسلّم من الذم، وذاك رأيكم فى التعرّض للحمد، وإنما ينتفع بالحمد


(١) أى جمع الأموال.
(٢) أى بادخار ما يمكن ادخاره حتى يثق المرء بقدرته على مكافحة الخطوب إن نزلت به.
(٣) تستظهر: تستعين، والحدثان: حوادث الدهر ونوبه.
(٤) الردء: العون والمادة.
(٥) الجنة: الوقاية.
(٦) مبتدأ خبره «فى تحفظك».
(٧) جاء فى لسان العرب: «وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: ذهب أهل الدثور بالأجور، قال أبو عبيد: واحد الدثور دثر بالفتح، وهو المال الكثير، يقال: هم أهل دثر ودثور، ومال دثر».
(٨) مبتدأ خبره: «فى استحسانك».
(٩) معطوف على الخبر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>