للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السليم الفارغ البال، ويسرّ باللذات الصحيح الصادق الحس، فأما الفقير فما أغناه عن الحمد، وأفقره إلى ما به يجد طعم الحمد، والطعام الذى آثرتموه يعود رجيعا (١)، والشراب يصير بولا، والبناء يعود نقضا (٢)، والغناء (٣) ريح هابّة، ومسقط للمروءة، وسخافة تفسد، ورنّة تسير (٤)، فلذّتكم فيما حوى لكم الفقر ونقض المروءة، ولذّتنا فيما حوى لنا الغنى وبنى المروءة، فنحن فى بناء، وأنتم فى هدم، ونحن فى إبرام، وأنتم فى نقض، ونحن فى التماس العز الدائم مع فوت بعض اللذة، وأنتم فى التعرض للذل الدائم مع فوت كل مروءة، وقد فهمنا معنى حكايتك، وما لهجت به من روايتك، والدليل على انتقاض طباعك، وإدبار أمرك، استحسانك ضدّ ما كنت تستحسن، وعشقك لما لم تزل تمقت، فبعدا وسحقا. ولا يبعد الله إلا من ظلم، والشاعر أبصر بكم حيث يقول:

فإن سمعت بهلك للبخيل فقل ... بعدا وسحقا له من هالك مودى (٥)

تراثه جنّة للوارثين إذا ... أودى وجثمانه للتّرب والدّود

وقال آخر:

تبلى محاسن وجهه فى قبره ... والمال بين عدوّه مقسوم

والحمد لله الذى لم يمتنى حتى أرانيك وكيلا فى مالك (٦)، وأجيرا لوارثك، وأمّا أنت فقد تعجّلت الفقر قبل أوانه، وصرت كالمجلود فى غير لذة، وهل تزيد حال من أنفق جميع ماله، ورأى المكروه فى عياله، وظهر فقره، وشمت به عدوّه، على أكثر من انصراف المؤنسين عنه، وعلى بغض عياله، وعلى خشونة الملبس وخشونة


(١) الرجيع: الروث.
(٢) النقض: المنقوض، وهو البناء المهدوم.
(٣) فى بعض النسخ «والثناء».
(٤) أى تذهب فى الهواء وتزول.
(٥) أودى: هلك.
(٦) أى وكيلا فى مالك لورثتك، لا تنتفع به انتفاع المالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>