للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحرص من كلب على عقى (١) صبى، وأجوع من كلبة حومل (٢)، ولهو أبذأ من كلب (٣) وحشّ فلان من خرء الكلب (٤)، واخسأ، كما يقال للكلب (٥)، وكالكلب فى الآرىّ (٦)، لا هو يعتلف، ولا هو يترك الدابة تعتلف، وقال الشاعر:

سرت ما سرت من ليلها ثمّ عرّست ... على رجل بالعرج ألأم من كلب (٧)

وقال الله جل ذكره: «فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» وكان ينبغى فى هذا القياس أن يكون المراوزة (٨) أعقل البريّة، وأهل خراسان أدرى البرية (٩)، ونحن لا نجد الجواد يفرّ من اسم السّرف إلى الجود،


(١) مجمع الأمثال ١: ١٥٤ والعقى: أول حدث الصبى، وفى النسخ «عقبى ظبى» وهو تحريف.
(٢) حومل: امرأة من العرب كانت تجيع كلبة لها، فكانت تربطها بالليل للحراسة، وتطردها بالنهار، وتقول: التمسى لنفسك لا ملتمس لك، فلما طال ذلك عليها أكلت ذنبها من الجوع، قال الكميت يذكر بنى أمية ويذكر أن رعايتهم للأمة كرعاية حومل لكلبتها:
كما رضيت جوعا وسوء رعاية ... لكلبتها فى سالف الدهر حومل
(٣) أى أفحش، وبذاءة الكلب هنا: كثرة هريره لسبب ولغير سبب.
(٤) حش المال: كثره، أى كثر فلان ماله من أدنأ الوجوه التى تشبه خرء الكلب.
(٥) أى وقالوا لمن يطرد اخسأ كما يقال للكلب.
(٦) الآرى: محبس الدابة. وحبل تشد به الدابة فى محبسها.
(٧) الضمير يعود إلى الناقة، والتعريس: نزول المسافر فى آخر الليل للاستراحة، والعرج: بلدة باليمن، وواد بالحجاز ذو نخيل، وموضع ببلاد هذيل، ومنزل بطريق مكة.
(٨) المراوزة: أهل مرو الشارهجان: أشهر مدن خراسان وقصبتها؛ جمع مروزى، نسبة إلى مرو على غير قياس، كأشاعرة جمع أشعرى- انظر معجم البلدان ٨: ٣٣.
(٩) أى لأنهم أشد الناس بخلا، وقد عقد الجاحظ فى كتاب البخلاء (ص ١٤) فصلا طويلا فى وصف بخلهم قال فيه: «نبدأ بأهل خراسان، لإكثار الناس فى أهل خراسان، ونخص بذلك أهل مرو بقدر ما خصوا به، قال أصحابنا: يقول المروزى للزائر إذا أتاه، وللجليس إذا طال جلوسه، تغديت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب، وإن قال لا، قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح، فلا يصير فى يده على الوجهين قليل ولا كثير، وكنت فى منزل ابن أبى كريمة- وأصله من مرو- فرآنى أتوضأ من كوز خزف، فقال: سبحان الله، تتوضأ بالعذب، والبئر لك معرضة! قلت: ليس بعذب، إنما هو من ماء البئر، قال: فتفسد علينا كوزنا بالملوحة! فلم أدر كيف أتخلص منه.
وقال ثمامة: لم أر الديك فى بلدة قط إلا وهو لاقط، يأخذ الحبة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة إلا ديكة مرو، فإنى رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج ما فى مناقيرها من الحب، قال: فعلمت أن بخلهم شىء-

<<  <  ج: ص:  >  >>