للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افهم ما أنا مورده عليك، وواصفه لك إن التربّح والتكسّب والاستئكال (١) بالخديعة والطّعم الخبيثة فاشية غالبة، ومستفيضة ظاهرة، على أن كثيرا ممن يضاف اليوم إلى النزاهة والتكرّم، وإلى الصيانة والتوقّى، ليأخذ من ذلك بنصيب وافر، وبمدّ واف (٢)، فما ظنّك بدهماء الناس وجمهورهم، بل ما ظنّك بالشعراء والخطباء الذين إنما تعلّموا المنطق لصناعة التكسّب؟ وهؤلاء قوم بودّهم أن أرباب الأموال قد جاوزوا حدّ السلامة إلى الغفلة، حتى لا يكون للأموال حارس، ولا دونها مانع، فاحذرهم، ولا تنظر إلى بزّة (٣) أحدهم؛ فإن المسكين أقنع منه، ولا تنظر إلى موكبه، فإنّ السّائل أعفّ منه، واعلم أنه فى مسك (٤) مسكين، وإن كان فى ثياب جواد (٥)، وروحه روح نذل، وإن كان فى جرم ملك، وكلّهم وإن اختلفت وجوه مسألتهم، واختلفت أقدار مطالبهم، فهو مسكين إلا أن واحدا يطلب العلق (٦)، وآخر يطلب الخرق، وآخر يطلب الدّوانيق (٧)، وآخر يطلب الألوف، فجهة هذا هى جهة هذا، وطعمة (٨) هذا هى طعمة هذا، وإنما يختلفون فى أقدار ما يطلبون على قدر الحذق والسبب (٩)، فاحذر رقاهم (١٠) وما نصبوا لك من الشّرك، واحرس نعمتك وما دسّوا لها من الدواهى، واعمل على أنّ سحرهم يسترقّ الذهن، ويختطف البصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من البيان لسحرا» وسمع عمر بن عبد العزيز رجلا يتكلم فى حاجة فقال: «هذا والله السّحر الحلال» وقد قال رسول الله


(١) استأكل: أخذ أموال الضعفاء كالنساء واليتامى ونحوهم وعاش عليها.
(٢) المد: مكيال مقداره رطل وثلث عند أهل الحجاز، والمراد به هنا مطلق مقدار.
(٣) البزة: حسن الهيئة.
(٤) المسك: الجلد.
(٥) فى بعض النسخ «جداد».
(٦) العلق بالكسر ويفتح: النفيس من كل شىء.
(٧) الدانق بكسر النون وتفتح والداناق: سدس الدرهم.
(٨) الطعمة: وجه المكسب.
(٩) السبب: الوسيلة.
(١٠) الرقى جمع رقية، وهى كلمات تقرأ للمحموم والمصروع ليشفى. والمعنى أن لهم كلاما كالسحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>