للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطع ولا ظهرا أبقى (١)» وقال الله جل ذكره: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً»

ولذلك قالوا: «خير مالك ما نفعك، وخير الأمور أوساطها، وشرّ السّير الحقحقة (٢)، والحسنة بين السيئتين» وقالوا: «دين الله بين المقصّر والغالى (٣)» وقالوا فى المثل: «بينهما يرمى الرامى (٤)» وقالوا: «عليك بالسّداد والاقتصاد، لا وكس ولا شطط (٥)» وقالوا: «بين الممخّة والعجفاء (٦)» وقالوا: «لا تكن حلوا فتبتلع، ولا مرّا فتلفظ» وقالوا فى المثل:

«ليس الرّىّ عن التّشافّ (٧)» وقالوا: «يا عاقد اذكر حلّا (٨)» وقالوا: «الرّشف (٩)


(١) المنبت المنقطع عن أصحابه فى السفر، والظهر الدابة، قاله صلى الله عليه وسلم لرجل اجتهد فى العبادة حتى هجمت عيناه: أى غارتا، فلما رآه قال له: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المنبت:
أى الذى يجد فى سيره حتى ينبت أخيرا- سماه بما تئول إليه عاقبته كقوله تعالى:
«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» مثل يضرب لمن يبالغ فى طلب الشىء ويفرط حتى ربما يفوته على نفسه.
(٢) الحقحقة: أشد السير وأتعبه للظهر، أو أن يلج فى السير حتى تعطب راحلته أو تنقطع، قال صاحب اللسان: «وتعبد عبد الله بن مطرف بن الشخير فلم يقتصد، فقال له أبوه: «يا عبد الله العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة» هو إشارة إلى الرفق فى العبادة. يعنى: عليك بالقصد فى العبادة، ولا تحمل على نفسك فتسأم، وخير العمل ماديم وإن قل، وإذا حملت على نفسك من العبادة ما لا تطيقه انقطعت به عن الدوام على العبادة وبقيت حسيرا، فتكلف من العبادة ما تطيقه ولا يحسرك».
(٣) أى أن الدين هو الطريقة المثلى بين التقصير والمغالاة.
(٤) أى بين التقصير والمغالاة الاعتدال الذى يجب أن يقصد إليه القاصد.
(٥) الوكس: النقص، والشطط: الجور.
(٦) أمخت الشاة: سمنت، والعجفاء: الهزيلة، وهو مثل يضرب فى التوسط.
(٧) الاشتفاف والتشاف: أن تشرب جميع ما فى الإناء مأخوذ من الشفافة بالضم، وهى بقية الماء فى الإناء، يقول: ليس من لا يشتف لا يروى، فقد يكون الرى دون ذلك. وهو مثل يضرب فى قناعة الرجل ببعض ما ينال من حاجته: أى ليس قضاؤك الحاجة أن لا تدع قليلا ولا كثيرا إلا نلته، فإذا نلت معظمها فاقنع به.
(٨) ويروى «يا حامل» فإذا قلت يا عاقد فقولك حلا يكون نقيض العقد؛ وإذا رويت يا حامل فالحل بمعنى الحلول، يقال حل بالمكان يحل حلا وحلولا ومحلا. وأصل المثل فى الرجل يشد حمله فيسرف فى الاستيثاق حتى يضر ذلك به وبراحلته عند الحلول، يضرب مثلا للنظر فى العواقب.
(٩) الرشف: التأنى فى الشرب، أنقع: أذهب وأقطع للعطش، مثل يضرب فى ترك العجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>