للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت ... بنيها ولم ترقع بذلك مرقعا

وقال الله تبارك وتعالى: «ولا تبذّر تبذيرا. إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين» وقال: «وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (١)» فأذن فى العفو ولم يأذن فى الجهد، وأذن فى الفضول ولم يأذن فى الأصول (٢)، وأراد كعب بن مالك أن يتصدق بماله، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك مالك» فالنبى صلى الله عليه وسلم يمنعه من إخراج ماله فى الصدقة. وأنتم تأمرونه بإخراجه فى السّرف والتبذير! . وخرج غيلان بن سلمة من جميع ماله، فأكرهه عمر على الرجوع فيه، وقال: «لو متّ لرجمت قبرك كما يرجم قبر أبى رغال (٣)» وقال الله جل وعز:

«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «يكفيك ما بلّغك المحلّ (٤)» وقال: «ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى» وقال الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن المنبتّ لا أرضا


(١) العفو: ما يفضل عن الحاجة.
(٢) الفضول جمع فضل: وهو الزيادة، والمراد بالأصول: المال المحتاج إليه فى حياة الرجل، أو صناعته أو تجارته.
(٣) قال صاحب القاموس: «وأبو رغال ككتاب، فى سنن أبى داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبى رغال، وهو أبو ثقيف وكان من ثمود. وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه» وقال صاحب اللسان: «أبو رغال؛ اسمه زيد بن مخلف، عبد كان لصالح النبى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، بعثه مصدقا، وأنه أتى قوما ليس لهم لبن إلا شاة واحدة ولهم صبى قد ماتت أمه فهم يعاجونه بلبن تلك الشاة- يعنى يغذونه، والعجى كغنى: الذى يغذى بغير لبن أمه- فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا: دعها نحايى بها هذا الصبى. فأبى فيقال: إنه نزلت به قارعة من السماء، ويقال: بل قتله رب الشاة، فلما فقده صالح قام فى الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعة فلعنه، فقره بين مكة والطائف يرجمه الناس» - وقد قدمنا عنه كلمة فى نسب ثقيف فى الجزء الثانى ص ١٤٦.
(٤) يروى فى خطبة أكثم بن صيفى أمام كسرى «يكفيك من الزاد ما بلغك المحل» - انظر جمهرة خطب العرب ١: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>