للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«بذل المغبونين، فإن المغبون لا محمود ولا مأجور» ولذلك قالوا: «لا تكن أدنى العيرين (١) إلى السّهم» يقول: إذا أعطيت السائلين مالك صارت مقاتلك أظهر لأعدائك من مقاتلهم، وقالوا: «الفرار بقراب أكيس (٢)» وقال أبو الأسود:

«ليس من العز أن تتعرض للذل، ولا من الكرم أن تستدعى اللؤم» ومن أخرج ماله من يده افتقر، ومن افتقر فلا بد له من أن يضرع (٣)، والضّرع لؤم. وإن كان الجود شقيق الكرم، فالأنفة أولى بالكرم (٤)، وقد قال الأول: «اللهم لا تنزلنى (٥) ماء سوء، فأكون امرأ سوء».

وقد قال الشاعر:

واخط مع الدهر إذا ما خطا ... واجر مع الدهر كما يجرى

وقد قال الآخر:

يا ليت لى نعلين من جلد الضّبع ... وشركا من ثغرها (٦) لا تنقطع

كلّ الحذاء يحتذى الحافى الوقع (٧)

وقد صدق قول القائل: «من احتاج اغتفر، ومن اقتضى (٨) تجوّز» وقيل


(١) العير: الحمار، والعيران هنا السائل والمسئول، فإذا أعطى المسئول كل ماله للسائل تعرض لسهام أعدئه ولم يقو على نزالهم.
(٢) القراب: الغمد، والمثل لجابر بن عمرو المازنى. وذلك أنه كان يسير يوما فى طريق إذ رأى أثر رجلين، وكان عائفا قائفا (والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها، والقائف: من يعرف الآثار) فقال:
أرى أثر رجلين شديدا كلبهما عزيزا سلبهما والفرار بقرب أكيس. أراد ذو الفرار أى الذى يفر ومعه قراب سيفه إذا فاته السيف أكيس ممن يفيت القراب أيضا.
(٣) أى بدل.
(٤) يقول: إذا كان الجود شقيق كرم النفس، وجب على الجواد ألا يسعى فى إذلال نفسه، وأن يحافظ على أنفتها وإبائها، وإنما يكون ذلك بالمحافظة على ماله.
(٥) هكذا فى الحيوان للجاحظ، وفى النسخ «لا تثرلى».
(٦) هكذا فى مجمع الأمثال، وفى النسخ «من استها» والشرك جمع: شراك ككتاب، وهو سير النعل.
(٧) وقع الرجل كفرح: إذا حفى من مره على الحجارة، وهو مثل يضرب عند الحاجة تحمل على التعلق بما يقدر عليه.
(٨) اقتضى دينه وتقاضاه بمعنى.
(٨ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>