للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عظمت [عنده] نعمه وتظاهر إحسانه، قد صيّرت القحة (١) جنّة، وشتم الأعراض سنّة، والاقتصاد فى ذلك منّة، عدوّك بمعزل عنك، وصديقك على وجل منك، إن شاهدته عافك، وإن غبت عنه خافك، تسأله فوق الطاقة، وترهقه عند الفاقة، فإن اعتذر إليك لم تعذره، وإن استنظرك لم تنظره (٢)، وإن أنعم عليك لم تشكره، لا تزيدك السّنّ إلا نقصا، ولا يفيدك الغنى إلا حرصا، تسمو إلى الكبير، بقدر صغير، وتسفّ إلى الطّفيف، لا للتخفيف، وتعرض للناس بالسؤال، غير محتشم من الإملال، ولا كاره أن ينظر إليك بالاستقلال، حتى لقد أخرجت الأضغان، وقبّحت الإحسان، وزهّدت فى اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وعذرت الناس فى خلف العدات، ودفع ممكن الحاجات، وأغريتهم ببغض العميان دون أهل العاهات، من أطاعك فى ماله حربته (٣)، ومن منعك بعذر واضح سببته، إذا عنّ لك طمع كنت عبده، بتذلّل وتخشع لمن هو عنده، وتغوى قبل إحرازه جحده، من أكرمك أهنته وتطاولت عليه، ومن أهانك استكنت (٤) له ولنت فى يديه، ومن سالمك لم تسالمه، ومن ناجزك لم تقاومه، الناس منك بين أسرار تفشى، وبوائق (٥) تخشى، وشناعات واردة، ونوادر باردة، تدرج (٦) كلامك خوف التحصيل، وتورّى عن عيّك بالقال والقيل، معاشرتك متجنّبة، وأحاديثك متكذّبة، لا يستجنى بها فهم، ولا يستفاد منها علم، تهامس بسقوطها فلا يحشمك، وتتلقّى بالردّ لها فلا يؤلمك، تسمع كلام خيار السّلف فتدّعيه، إفسادا وإلحادا فيه، والتماسا لإبطال حجج الدين، وتشكيكا لأهل البصيرة واليقين، فإن


(١) القحة: الوقاحة. والجنة: الوقاية.
(٢) أنظره: أخره.
(٣) حربه حربا كطلبه طلبا: سلب ماله.
(٤) فى الأصل «اسكنت».
(٥) جمع بائقة: وهى الداهية.
(٦) أى تطوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>