للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللسان، حلو الإشارة، مليح الاستعارة، لطيف المسلك، مستفره (١) المركب، ولا يكون مع ذلك فضفاض الجثّة، متفاوت الأجزاء، طويل اللحية. عظيم الهامة؛ فإنهم زعموا أن هذه الصورة لا يليق بصاحبها الذكاء والفطنة.

وإذا احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والخطباء والأدباء والشعراء وأوساط الناس وسوقتهم، فخاطب كلّا على قدر أبّهته وجلالته، وعلوّه وارتفاعه، وتفطّنه وانتباهه، واجعل طبقات الكلام على ثمانية أقسام، فأربعة منها للطبقة العلوية، وأربعة دونها، ولكل طبقة منها درجة، ولكلّ قسمة حظّ لا يتسع للكاتب البليغ أن يقصّر بأهلها عنها، ويقلب معناها إلى غيرها. فالطبقة العليا:

الخلافة التى أجلّ الله قدرها، وأعلى شأنها عن مساواتها بأحد من أبناء الدنيا فى التعظيم والتوقير والمخاطبة والترسّل. والطبقة الثانية الوزراء والكتّاب الذين يخاطبون الخلفاء بعقولهم وألسنتهم، ويرتقون الفتوق بآرائهم، ويتجمّلون بآدابهم. والطبقة الثالثة:

أمراء ثغورهم وقواد جيوشهم، فإنه يجب مخاطبة كل امرئ منهم على قدره وموضعه وحظه وغنائه (٢) وجزائه واضطلاعه بما حمل من أعباء أمورهم، وجلائل أعمالهم.

والطبقة الرابعة: القضاة، فإنهم وإن كان لهم تواضع العلماء، وحلية الفضلاء، فمعهم أبّهة السلطنة، وهيبة الأمراء.

أما الطبقات الأربع الأخرى، فهم الملوك الذين أوجبت نعمهم تعظيمهم فى الكتب إليهم، وأفضالهم تفضيلهم فيها. والثانية: وزراؤهم وكتّابهم وأتباعهم الذين بهم نقرع أبوابهم، وبعنايتهم تستماح (٣) أموالهم. والثالثة: هم العلماء الذين يجب توقيرهم فى الكتب، لشرف العلم وعلو درجة أهله. والرابعة: أهل القدر والجلالة والظّرف والحلاوة والطّلاوة (٤) والعلم والأدب، فإنهم يضطرّونك بحدّة أذهانهم، وشدة تمييزهم وانتقادهم وأدبهم وتصفحهم، إلى الاستقصاء على نفسك فى مكاتبتهم.


(١) الفاره من الدواب: الجيد السير، واستفرهها: استكرمها أى انتقاها كريمة فارهة.
(٢) أى كفايته.
(٣) استماحه: سأله العطاء، وفى العقد «تستباح» وهو تحريف.
(٤) الطلاوة مثلثة: الحسن والبهجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>