للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستغنينا عن الترتيب للتجار والسّوقة والعوامّ رتبة، لاستغنائهم بتجارتهم عن هذه الآلات، واشتغالهم بمهمّاتهم عن هذه الأدوات.

ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن تراعيها فى مراسلتك إياهم فى كتبك، فتزن كلامك فى مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمه، وتوفّيه نصيبه، فإنك متى أهملت ذلك وأضعته، لم آمن عليك أن تعدل بهم عن طريقهم، وتسلك بهم فى غير مسلكهم، وتجرى شعاع بلاغتك فى غير مجراه، وتنظم جوهر كلامك فى غير سلكه.

فلا تعتدّ (١) بالمعنى الجزل ما لم تلبسه لفظا جزلا لائقا بمن كاتبته، ومشابها لمن راسلته، فإن إلباسك المعنى- وإن شرف وصلح- لفظا مختلفا عن قدر المكتوب إليه، لم تجربه عادتهم، تهجين (٢) للمعنى، وإخلال بقدره، وظلم لحقّ المكتوب إليه، ونقص مما يجب له؛ كما أن فى اتّباع (٣) تعارفهم، وما انتشرت به عاداتهم، وجرت به سنّتهم، قطعا لعذرهم، وخروجا من حقوقهم، وبلوغا إلى غير غاية مرادهم، وإسقاطا لحجّة أدبهم، فمن (٤) الألفاظ المرغوب عنها، والصدور المستوحش منها، فى كتب السادات والأمراء والملوك- على اتفاق المعانى- مثل: «أبقاك الله طويلا» و «عمرك مليّا (٥)» وإن كنا نعلم أنه لا فرقان بين قولهم: «أطال الله بقاءك» وبين قولهم: «أبقاك الله طويلا» ولكنهم جعلوا هذا أرجح وزنا، وأنبه قدرا، فى مخاطبة الملوك، كما أنهم جعلوا: «أكرمك الله وأبقاك» أحسن منزلة فى كتب الفضلاء والأدباء، من «جعلت فداك» على اشتراك معناه، واحتماله أن يكون فداء من الخير، كما يحتمل أن يكون فداء له من الشر، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) فى رسائل البلغاء «فلا يفيد المعنى الجزل».
(٢) التهجين: التقبيح.
(٣) فى رسائل البلغاء «كما أن فى امتناع تعارفهم ... وضعا لقدرهم» وهو تحريف.
(٤) فى العقد «ضمن» وهو تحريف.
(٥) عمره الله وعمره: أبقاه، ومليا: أى دهرا طويلا، والفرق والفرقان واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>