للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسألنى أن أكتب له قصة على ما أرى، فكتبت له كتابا يشبه أن يكون من مثله إلى القضاة، فقرأه وقضى حاجته، وعلم أنه لم يكتب واحدة منهما.

والكتاب إذا لم يكن شبيها بحالة (١) صاحبه، كان أحد الأسباب المانعة، والمعانى كلها ممتثلة، والكلام مشبع (٢)، ولكن سياسته صعبة، وتأليفه شديد، إلا على جهابذته وفرسانه أمراء الكلام، يصرّفونه كيف شاءوا، ولا يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، ويكون اللفظ أسبق إلى الأسماع من معناه إلى القلوب (٣).

قال الجاحظ: كان لفظه فى وزن إشارته، وطبعه فى معناه فى مطابقة معناه.

وذكر الحسن بن وهب أحمد بن يوسف فقال: ما كنت أدرى: ألفظه آنق أم معناه، أو معناه أجزل أم لفظه؟

والمعانى وإن كانت كامنة فى الصدور، فإنها مصوّرة فيها ومتّصلة بها، وهى كاللآلئ المنطوية (٤) فى أصدافها، والنار المخبوءة فى أحجارها، فإن أظهرتها من أكنانها (٥) وأصدافها، تبيّن حسنها، وإن قدحت النار من مكامنها وأحجارها انتفعت بها، وإلّا بقيت محجوبة مستورة، وربما يستثار الكامن منها، ويستخرج المستسرّ (٦) من جواهرها، بقدر حذق المستنبط، وصواب حركات المستخرج، وقصد إشارته، ولطف مذاهبه، وكذلك ليس كل ناطق ولا كاتب يوضح عن المعنى، ولا يصيب إشارته، وكلما كان الكلام أفصح، والبيان أوضح، كان أدلّ


(١) فى الأصل «بحاجة» وأراه محرفا.
(٢) امتثله: تصوره حتى كأنه ينظر إليه، ومشبع من قولهم: رجل مشبع العقل بفتح الباء أى وافره، وفى الأصل «مشبعا» وهو تحريف.
(٣) وجاء فى نهاية الأرب ٧: ٨ «وقالوا: لا يستحق الكلام اسم البلاغة حتى يكون معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك».
(٤) فى الأصل «المنظومة» وهو تحريف.
(٥) الأكنان: جمع كن، وهو الستر، بالكسر، فيهما.
(٦) استسر: استتر وخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>