للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حسن وجه المعنى، وقد رأيتهم شبهوا المعنى الخفىّ بالرّوح الخفى، واللفظ الظاهر بالجثمان الظاهر، وإذا لم ينهض بالمعنى الشريف لفظ شريف جزل، لم تكن العبارة واضحة، ولا النظام متّسقا، وتضاءل المعنى الحسن تحت اللفظ القبيح، كتضاؤل الحسناء فى الأطمار (١) الرّثّة.

وإنما يدل على المعنى أربعة أصناف: لفظ، وإشارة، وعقد وخطّ، وقد ذكر أرسطاطاليس صنفا خامسا فى كتاب المنطق، وهو الذى يسمى النّصبة، والنّصبة:

الحال الدّالة التى تقوم مقام تلك الأصناف الأربعة، وهى الناطقة بغير لفظ، والمشيرة إليه بغيريد، وذلك ظاهر فى خلق السموات والأرض، وفى كل صامت وناطق، وهى داخلة فى جملة هذه المعانى الأربعة، وخارجة منها بالحلية، ولكل واحدة من هذه الدلائل صورة مخالفة لصورة صاحبتها، وحلية غير مشاكلة لحلية أختها، غير أنها فى الجملة كاشفة عن أعيان المعانى، وسافرة (٢) عن وجوهها (٣). وأوضح هذه الدلائل، وأفصح هذه الأصناف، صنفان منها، وهما اللسان والقلم، وكلاهما يترجمان ويدلان على القلب، ويستمليان منه، ويؤديان عنه ما لا تؤدى هذه الأصناف الباقية، فأما اللسان فهو الآلة التى يخرج الإنسان بها عن حد الاستبهام إلى حد الإنسانية بالكلام، ولذلك قال صاحب المنطق: حدّ الإنسان: الحى الناطق. وقال هشام ابن عبد الملك «إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه من بين الجوارح بتوحيده، وما جعل الله من عبّر عن شىء مثل من لم يعبّر عنه». وقال على بن عبدة: «إنما يبين عن الإنسان اللسان، وعن المودّة العينان». وقال آخر: «الرجل مخبوء تحت لسانه (٤)».

وقالوا «المرء بأصغريه: قلبه ولسانه».


(١) الأطمار: جمع طمر بالكسر، وهو الثوب الخلق.
(٢) أى كاشفة أيضا.
(٣) وقد عقد الجاحظ فصلا طويلا فى الكلام على أصناف الدلالات على المعانى- انظر باب البيان من كتابه البيان والتبيين ج ١: ص ٤٢.
(٤) من الحكم المروية عن الإمام على كرم الله وجهه «المرء مخبوء تحت لسانه».

<<  <  ج: ص:  >  >>