للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت قد أوتيت فصل الخطاب، واستوجبت من الله سبحانه جزيل الثواب (١).

وقال الخليل بن أحمد: كلّ ما أدّى إلى قضاء الحاجة فهو بلاغة، فإن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقا، ولتلك الحال وفقا، وآخر كلامك لأوّله مشابها، وموارده لمصادره موازنا فافعل، واحرص أن تكون لكلامك متّهما، وإن ظرف ولنظامك مستريبا وإن لطف. بمواتاة (٢) آلتك لك، وتصرّف إرادتك معك، فافعل إن شاء الله.

وهذه الرسالة عذراء، لأنها بكر معان لم تفترعها بلاغة الناطقين، ولا لمستها أكفّ المفوّهين، ولا غاصت عليها فطن المتكلمين، ولا سبق إلى ألفاظها أذهان الناطقين، فاجعلها مثالا بين عينيك، ومصوّرة بين يديك، ومسامرة لك فى ليلك ونهارك، تهطل عليك شآبيب منافعها، ويظلّك منها بركاتها، وتوردك مناهل بلاغاتها، وتدلك على مهيع (٣) رشدها، وتصدرك وقد نقع (٤) ظمؤك بينابيع بحر إحسانها إن شاء الله عز وجل، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (٥)».

(رسائل البلغاء ص ١٧٦، والعقد الفريد ٢: ١٧١)


(١) وجاء فى زهر الآداب عقب ذلك: «فقيل لعبد الكريم بن روح الغفارى: من هذا الذى صبر له عمرو هذا الصبر؟ قال: سألت عن ذلك أبا حفص الشمرى فقال: ومن يجترىء عليه هذه الجراءة إلا حفص بن سالم؟ » أقول: وحفص هذا هو أحد دعاء المعتزلة الذين أنفذهم واصل بن عطاء إلى الآفاق، وبثهم فى البلاد، لنشر مذهب الاعتزال، وقد بعثه واصل إلى خراسان- انظر المنية والأمل ص ١٩» والبيان والتبيين ١: ١٤.
(٢) المواتاة: الموافقة والمطاوعة.
(٣) طريق مهيع: أى بين.
(٤) نقع الماء العطش كقطع: سكنه، وفى المثل «الرشف أنقع» أى إن الشراب الذى يترشف قليلا قليلا أقطع للعطش وأنجع، وإن كان فيه بطء، مثل يضرب فى ترك العجلة.
(٥) ذكر الأستاذ كرد على فى رسائل البلغاء أنه نقل هذه الرسالة من مجموع قديم من كتب الشيخ طاهر الجزائرى، وقد أورد صاحب العقد الفريد نحوا من شطرها فى باب أدوات الكتابة، وأخبار الكتاب، غير أنه لم يوردها على النمط الذى ورد فى رسائل البلغاء، بل تصرف فيها كثيرا بالحذف والزيادة والتقديم والتأخير، وتراه يلقب إبراهيم بن محمد بن المدبر كاتبها بالشيبانى، فيقول: قال إبراهيم بن محمد الشيبانى .... وآورد القلقشندى فى صبح الأعشى. فقرأ منها- انظر ج ٢: ص ٤٥٧ وج ٣.
ص ٦، وكذا النويرى فى نهاية الأرب- انظر ج ٧ ص: ١٢، ١٣، ١٩ وكلاهما يلقبه بالشيبانى أيضا، والظاهر أنه ينتمى إلى شيبان بالولاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>