للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع (١)» وقيل لعمرو بن عبيد (٢): ما البلاغة؟ فقال: «ما بلّغك الجنّة، وعدل بك عن النار، وما بصّرك بمواقع رشدك، وعواقب غيّك، فقال السائل: ليس هذا أريد، فقال:

من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يستمع، ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول (٣)، قال: ليس هذا أريد: قال: قال النبى عليه الصلاة والسلام: «إنا معاشر الأنبياء بكاء» (٤) وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله، فقال له السائل: ليس هذا أريد، قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام، ما لا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصّمت (٥)، فقال: ليس هذا أريد، فقال: فكأنك إنما تريد تخيّر اللفظ فى حسن إفهام، قال: نعم، قال: إنك إن أردت تقرير حجة الله فى عقول المكلّفين (٦)، وتخفيف المئونة على المستمعين، وتزيين تلك المعانى فى قلوب المريدين (٧)، بالألفاظ المستحسنة فى الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبة فى سرعة استجابتهم، ونفى الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الحسنة الناطقة عن الكتاب والسنة،


(١) جاء فى البيان والتبيين ١: ٤٩ «قال الإمام إبراهيم بن محمد: يكفى من حظ البلاغة ....
الخ «انظر أيضا زهر الآداب ١: ١٣٤، وفى نهاية الأرب ٧: ٧ «وقيل لآخر ما البلاغة؟ قال: ألا يؤتى القائل من سوء فهم السامع، ولا يؤتى السامع من سوء بيان القائل».
(٢) وردت هذه المحاورة فى زهر الآداب ١: ١١٧، ونهاية الأرب ٧: ٧، وعمرو بن عبيد ابن باب: إمام من أئمة المعتزلة توفى سنة ١٤٤ - انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ٣٨٤.
(٣) وفى نهاية الأرب: «قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع، ومن لم يحسن أن يسمع لم يحسن أن يسأل، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول».
(٤)
بكأ الرجل بكاءة بالفتح فهو بكىء، من قوم ... بالكسر: قل كلامه خلفة، وأصله من بكأت
الناقة والشاة كجعل وكرم بكئا وبكاءة بالفتح فيهما، وبكوءا وبكاء بالضم فيهما، فهى بكىء وبكيئة:
إذا قل لبنى وفى الحديث «إنا معشر النبآء بكاء» وفى رواية «نحن معاشر الأنبياء فينا بكء وبكاء» بالضم أى قلة كلام إلا فيما نحتاج إليه- انظر لسان العرب والقاموس مادة بكأ.
(٥) فى رسائل البلغاء «قال كانوا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصمت» والتصحيح من زهر الآداب.
(٦) وفى نهاية الأرب «المتكلمين».
(٧) وفيه «المستفهمين».

<<  <  ج: ص:  >  >>