للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتماع (١) آلة البلاغة، وذلك أن يكون البليغ رابط الجأش (٢)، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخيّر اللفظ، لا يكلّم سيد الأمة بكلام الأمة، ولا الملوك بكلام السّوقة ويكون فى قواه فضل التصرف فى كل طبقة، ولا يدقّق المعانى كلّ التدقيق، ولا ينقّح الألفاظ كل التنقيح، ولا يصفّيها كل التصفية (٣)، ولا يهذّبها غاية التهذيب، ولا يكون كذلك حتى يصادف فيلسوفا حكيما عليما، ومن قد تعوّد حذف فضل الكلام، وأسقط مشترك اللفظ» (٤) وقال أنو شروان لبزرجمهر (٥): متى يكون العيىّ بليغا؟ فقال: إذا وصف بليغا، وقال أرسطاطاليس: «البلاغة حسن الاستعارة» وقال بشر بن خالد (٦): «البلاغة التقرب من المعنى البعيد، والتباعد عن خسيس الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير» وقال خالد بن صفوان: «ليس البلاغة بخفّة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقرع بالحجّة» وقال عمر بن عبد العزيز: «البليغ من إذا وجد كثيرا ملأه، وإذا وجد قليلا كفاه»، وقال ابن عتبة: «البلاغة دنوّ المآخذ، وقرع الحجة، والاستغناء بالقليل عن الكثير» وقال بعضهم: «إنى لأكره للإنسان أن يكون مقدار لسانه فاضلا عن مقدار عقله، كما أكره أن يكون مقدار عقله فاضلا عن مقدار لسانه وعلمه، يكفى من حظ البلاغة


(١) فى رسائل البلغاء «احتمال».
(٢) الجأش: رواع القلب إذا اضطرب من الفزع، ونفس الإنسان. وربط جأشه رباطة (بالكسر) اشتد قلبه.
(٣) فى رسائل البلغاء «ويصعبها كل التصعبة».
(٤) جاء فى البيان والتبيين، وزهر الآداب عقب ذلك «قد نظر فى صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة، لاعلى جهة التصفح والاعتراض. ووجه التظرف والاستطراف».
(٥) بزرجمهر: مركب من بزرج معرب بزرك أى الكبير، ومهر: أى الروح، وهو: بزرجمهر ابن البختكان وزير كسرى أنو شروان ملك الفرس، وكان سديد الفكر حصيف الرأى.
(٦) وفى العقد «جعفر بن خالد» وفى زهر الآداب ١: ١٣٤ «قال أعرابى: البلاغة التقرب من البعيد، والتباعد من الكلفة، والدلالة بقليل على كثير».

<<  <  ج: ص:  >  >>