للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عبد الرحمن بن كيسان: «استعمال الكلام أجدر بإحضار الذهن عند تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام (١)».

ولم يختلف فى شرف القلم، وإنما اختلف فى كيفية البلاغة وماهيّتها، وقد مدحها كل قوم بأوضح عبارتهم، وأحسن بيانهم، فقال صاحب اليونانيين: «البلاغة تصحيح الأقسام، واختيار الكلام» وقال الرومى: «البلاغة وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة (٢)» وقال الفارسى (٣): «هى معرفة الفصل من الوصل» وقال الهندى: «هى البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، ثم إن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقا، وربما كان الإطراق عنها أبلغ فى الدّرك، وأحقّ بالظفر» وقال غيره: «جماع البلاغة التماس حسن الموقع، والمعرفة بساعات القول، والحذق بما التبس من المعانى وغمض، وبما شرد عليك من اللفظ وتعذّر» ثم قال: «وزين ذلك كلّه وبهاؤه، وحلاوته وسناؤه، أن تكون الشمائل معتدلة، والألفاظ موزونة، واللهجة نقية، فإن جامع ذلك السّنّ والسّمت (٤) والجمال وطول الصمت، فقدتم كل التمام (٥)».

وقيل لهندى ما البلاغة؟ فأخرج صحيفة مكتوبة عندهم فيها (٦): «أول البلاغة


(١) وفى البيان والتبيين ١: ٤٥ «وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحس الذهن على تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام».
(٢) وفى البيان والتبيين ١: ٤٩ «وقيل للرومى: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة، وقيل للهندى: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة» (وكذا فى زهر الآداب ١: ١٣٥). قال الجاحظ: وقال بعض أهل الهند:
«جماع البلاغة البصر بالحجة .... ».
(٣) يعنى أبا على الفارسى.
(٤) السمت: هيئة أهل الخير.
(٥) انظر البيان والتبيين ١: ٤٩.
(٦) جاء فى البيان والتبيين (١: ٥١) «قال معمر أبو الأشعث: قلت لبهلة الهندى أيام اجتلب يحى بن خالد أطباء الهند، ما البلاغة عند أهل الهند؟ قال بهلة: عندنا فى ذلك صحيفة مكتوبة ولكننى لا أحسن ترجمتها لك، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسى بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها، قال أبو الأشعث: فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة، فإذا فيها: أول البلاغة اجتماع ..... » انظر أيضا زهر الآداب ١: ١٢٠.
(١٤ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>