للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمره أن يقدّم أهل الفضل والصلاح والمشايعة والموالاة والنصيحة للسلطان ويدنيهم ويقرّبهم، ويسمع منهم، ويعرف لهم ما سدّوا، ويظهر من نصائحهم، ويحمد من حالاتهم، حتى يدعو من فعله بهم غير هم إلى سلوك مناهجهم، والاقتداء بهم، واللزوم لهديهم، وأن يتخذ أهل العفة والرأى والسّنّ والورع جلساءه وبطانته ويشاورهم فى أمره، ويستعين بآرائهم فيما هو مصدره، حتى يكون ما يمضى وينفذ منه بحسب ما يجتمعون عليه، ويرونه موافقا للحق والعدل، ومجانبا للظلم والجور.

وأمره أن تكون أحكامه فيما ينفرد بالنظر فيه، وإقامته من الحدود وما أشبهها، بما يجب لله عليه فى ذلك، من اتّباع محكم تنزيل، أو مأثور سنّة، أو رأى يتّفق عليه نبيل (١) محسن ومن يليه من الفقهاء وذوى المعرفة، وألّا يقدم على سفك دم، ولا تخلية سبيل محبوس، ولا قطع مستحقّ للقطع، حتى يكتب إليه باسم من وجب ذلك عليه، واسم أبيه وقصّته، فى إقرار إن كان منه، أو بيّنة إن قامت عليه، وأسماء تلك البينة، وما تعرف به فى أنسابها ومواضعها، وما شهدت به، وعدلها فيمن هى منه، ليأتيه الأمر فيه يتمثله، فإن هذين الجدّين من أجلّ الأحكام منزلة، وأعظمها تبعة، وأولاها بالحظر، إلى أن يوقف على حقيقة ما يجب فيها، ويأمر السلطان- أعزه الله- بما يوفّقه الله فى إقامتها إن شاء الله.

وأمره ألّا يأخذ أحدا من الرّعية بقرفة (٢) ولا إحنة، ولا يعرض لأحد من أهل البراءة والسلامة والاستقامة، ولا يلحق بهم جرائر أهل النّطف (٣) والرّيبة، وأن يشرف على أهل الدّعارة والفساد فى عمله. ويقمعهم ويردعهم، فيشرّد بهم، ويعاقب من استحق العقوبة منهم بقدر جرمه، وبحسب ما حدّ فى مثله، من غير أن يبلغ بأحد ممن لا يجب عليه الحدّ حدّا، فإن لكل شىء قدرا، ولن يستطيع الرأى فيمن


(١) فى الأصل «سبيل» وأراه محرفا، والنبيل: الذكى النجيب، والواو فى «ومن» للمعية.
(٢) قرفه بسوء: رماه به واتهمه، والقرفة بالكسر: التهمة، والإحنة: الحقد.
(٣) نطف كفرح وعنى نطفا بالتحريك ونطافة ونطوفة: اتهم بريبة وتلطخ بعيب وفسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>