للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى لين استعطافك، وحسن إنصافك، أحوج منى إلى قطع أسبابك، والمقام على ترك عتابك، وكنت مستعدّا لاحتمال ما يضيمنى منك، ويتناهى إلىّ عنك، لميل النفس بالرغبة إليك، وإقبالها- وإن أدبرت عنها- عليك، لأن العدوان فى المعاملة، من شأن من يحظر عليه فى المواصلة، سيّما من قد أحلق عندك إخاؤه، ورثّ فى نفسك وفاؤه، ودعاك طول عهده إلى ملالة ودّه، لم أجد بدّا من ردّك، باستعتابك إلى ما هو أولى بك، ردّك الله إلى أجمل العادة، وما هو أولى بك فينا من النّصفة.

أأخى- أقبل الله بك إلى الواجب- أنا الخليل الذى لا يزيله عن ودّك وقديم عهدك سكر (١)، ولا يغيّر من قد بلاك وبلوته (٢)، وامتحنك فاختارك واخترته، أوّلك عنده حميد، وآخرك (٣) عنده جديد، مودّته لك غير مدخولة، وعشرته غير مملولة، لم تنب (٤) عنك خلائقه، ولم تنشعب عنك طرائقه، يغضّ من نفسه ليرفعك، ويضرّها لينفعك، فحين نطقت بلسانك فيما ضرّنى، وتقدمت لك فيما أخّرنى، وأخدمت (٥) مودتك نفسى وعرضى، وهتكت لك أدنى ومروءتى، فوددت بودّك، وصددت بصدّك، ووقفت بك حيث وقفت بنفسك، وانقدت لك حيث سلكت بى محبّتك، ولم أجشّمك الوقوف عند هواى، ولم أسمك الانصراف إلى رضاى، إلا فى أمر تسلم عاقبته، ولا تسوءك مغبّته، أوثر على محبتى ما سرّك، وأقدّم على أمرى أمرك، لا أوازنك المعاملة، ولا أقارضك المشاغلة، ما تحبّ فمضمون لك عندى، وما تكره فمصروف عنك منى، أحمل عنك الثقيل، وأتوعّر ليسهل لك السبيل، أوسّع لك فى الذّنب المنهج، إذا ضاق عليك من العذر


(١) فى الأصل «شكر» وهو تحريف، والسكر بالتحريك: الغضب والغيظ، وربما كان الأصل «شكوى».
(٢) بلاه: اختبره.
(٣) فى الأصل «وأجرك».
(٤) أى لم تضق.
(٥) أخدمت فلانا: أعطيته خادما يخدمه، أى جعلت نفسى وعرضى خادمين لمودتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>