للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين (١)، إلى الظالم لنفسه، العاصى لربّه، الملمّ بذنبه، المفسد لكسبه، العادى (٢) لطوره، الجاهل لقدره، الناكص على عقبه، المركوس (٣) فى فتنته، المبخوس من حظّ دنياه وآخرته.

سلام على كل منيب مستجيب، تائب من قريب، قبل الأخذ بالكظم (٤)، وحلول الفوت والندم.

وأحمد الله الذى لا إله إلا هو حمد معترف له بالبلاء الجميل، والطّول الجليل، وأسأله مسألة مخلص فى رجائه، مجتهد فى دعائه، أن يصلّى على محمد المصطفى، وأمينه المرتضى، ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وسلم.


ثم استقل ابن طولون بمصر سنة ٢٥٧ فى عهد الخليفة المعتمد، ثم أراد أن يوسع نطاق ملكه فأغار على الشام ٢٦٤، وفى أثناء غيابه بها عصى عليه ابنه العباس، وجاء فى تاريخ الكامل لابن الأثير فى هذا الصدد (ج ٧: ص ١٠٧): «كان أحمد بن طولون قد خرج إلى الشام واستخلف ابنه العباس على مصر، فلما أبعد عن مصر حسن للعباس جماعة كانوا عنده أخذ الأموال والانسراح إلى برقة، ففعل ذلك، وأتى برقة فى ربيع الأول سنة ٢٦٥، وبلغ الخبر أباه فعاد إلى مصر، وأسل إلى ابنه ولاطفه واستعطفه، فلم يرجع إليه، وخاف من معه فأشاروا عليه بقصد إفريقية، فسار إليها وكاتب وجوه البربر، فأتاه بعضهم، وامتتع بعضهم، وكتب إلى إبراهيم بن الأغلب يقول: إن أمير المؤمنين قد قلدنى أمر إفريقية وأعمالها، ورحل حتى أتى حصن «لبدة» ففتحه أهله له، فعاملهم أسوأ معاملة ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور رئيس الإباضية هناك، فاستعانوا به، فغضب لذلك وسار إلى العباس ليقاتله، وكان إبراهيم بن الأغلب قد أرسل إلى عامل طرابلس جيشا وأمره بقتال العباس، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، قاتل العباس فيه بيده، فلما كان بالغد وافاهم إلياس بن منصور الإباضى فى اثنى عشر ألفا من الإباضية، فاجتمع هو وعامل طرابلس على قتال العباس فقتل من أصحابه خلق كثير، وانهزم أقبح هزيمة، وكاد يؤسر فخلصه مولى له، ونهبوا سواده وأكثر ما حمله من مصر وعاد إلى برقة أقبح عود، وشاع بمصر أن العباس انهزم فاغتم والده حتى ظهر عليه، وسير إليه العساكر لما علم سلامته، فقاتلوه قتالا صبر فيه الفريقان، فانهزم العباس ومن معه، وكثر القتلى فى أصحابه، وأخذ العباس أسيرا وحمل إلى أبيه فحبسه فى حجرة فى داره، إلى أن قدم باقى الأسرى من أصحابه، فلما قدموا أحضرهم أحمد عنده والعباس معهم، فأمره أبوه أن يقطع أيدى أعيانهم وأرجلهم ففعل، فلما فرغ منه وبخه أبوه وذمه، ثم أمر به فضرب مائة مقرعة، ودموعه تجرى على خده رقة لولده، ثم رده إلى الحجرة واعتقله وذلك سنة ٢٦٨» ومات ابن طولون سنة ٢٧٠».
(١) يعنى المعتمد على الله.
(٢) عدا الأمر وعنه: جاوزه، والطور: القدر.
(٣) الركس: قلب أول الشىء على آخره.
(٤) الكظم: مخرج النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>