للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد، فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها، والنملة يكون حتفها فى جناحيها، وستعلم- هبلتك (١) الهوابل! أيها الأحمق الجاهل، الذى ثنى على الغىّ عطفه، واغترّ بضجاج المواكب خلفه- أىّ موردة هلكة بإذن الله تورّدت، إذ على الله جل وعز تمرّدت وشردت، فإنه تبارك وتعالى قد ضرب لك فى كتابه مثلا: «قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ».

وإنا كنا نقرّبك إلينا، وننسبك إلى بيوتنا، طمعا فى إنابتك، وتأميلا لفيئتك (٢)، فلما طال فى الغىّ انهما كك، وفى غمرة الجهل ارتباكك، ولم نر الموعظة تلين كبدك، ولا التذكير يقيم أودك (٣)، لم تكن لهذه النسبة أهلا، ولا لإضافتك إلينا موضعا ومحلّا، بل لا نكنى بأبى العباس إلا تكرّها، وطمعا بأن يهب الله منك خلفا نقلّده اسمك، ونكنى به دونك، ونعدّك كنت نسيا منسيّا (٤)، ولم تك شيئا مقضيّا، فانظر- ولا نظر بك- إلى عار نسبته تقلّدت، وسخط من قبلنا تعرّضت، واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلّك، والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك، والعساكر بحمد الله قد أتتك كالسّيل فى الليل، تؤذنك بحرب وبويل، فإنا نقسم- ونرجو أن لا نجور ونظلم- ألا نثنى عنك عنانا، ولا نؤثر على شانك شانا، ولا تتوقّل (٥) ذروة جبل، ولا تلج بطن واد، إلا تبعناك (٦) بحول الله وقوته فيهما، وطلبناك حيث أممت منهما، منفقين فيك كلّ مال خطير، ومستصغرين بسببك كل خطب جليل، حتى تستمرّ من طعم العيش ما استحليت، وتستدفع من البلايا ما استدعيت، حين لا دافع بحول الله عنك، ولا مزحزح لنا


(١) هبلته أمه كفرح: ثكلته، وامرأة هابل وهبول.
(٢) الفيئة: الرحوع.
(٣) الأود: الاعوجاج.
(٤) النسى: مانسى.
(٥) وقل فى الجبل كوعد وتوقل: صعد.
(٦) فى الأصل «جعلناك» والظاهر أنه محرف، وصوابه «تبعناك» كما ذكره مصحح صبح الأعشى.

<<  <  ج: ص:  >  >>