للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ساحتك، وتعرف من قدر الرخاء ما حهلت، وتودّ أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عحلت، ولا رأى من أضلّك من غواتك قبلت، فحينئذ يتفرّى (١) لك الليل عن صبحه، ويسفر لك الحقّ عن محضه، فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما، وتسمع بأذنين لا وقر (٢) فيهما، وتعلم أنك كنت متمسّكا بحبائل غرور، متماديا فى مقابح أمور، من عقوق لا ينام طالبه، وبغى لا ينجو هاربه، وغدر لا ينتعش صريعه، وكفران لا يودى (٣) قتيله، وتقف على سوء رويتّك، وعظم جريرتك، فى تركك قبول الأمان، إذ هو لك مبذول، وأنت عليه محمول، وإذ السيف عنك مغمود، وباب التوبة إليك مفتوح، وتتلهّف والتلهف غير نافعك، إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا، وانقدت إليه منتصحا.

وإن مما زاد فى ذنوبك عندى ما ورد به كتابك علىّ بعد نفوذى على الفسطاط من التمويهات والأعاليل (٤)، والعدات بالأباطيل، من مصيرك- بزعمك- إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علىّ، حتى ملت إلى الاسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة، واستظهارا عليك بالحجة، وقطعا لمن عسى أن يتعلّق به معذرة علم بأن الأناة غير صادّة، ولا أنه خالجنى شكّ ولا عارضنى ريب فى أنك إنما أردت النزوح (٥) والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التى لعلّ قصدك إياها يوديك (٦)، ولعل مصيرك إليها يكفينيك، ويبلّغ إلىّ أكثر من الإرادة فيك، لأنك إن شاء الله


(١) تفرى: انشق، والمعنى هنا ينكشف، وسفر الصبح كضرب وأسفر: أضاء وأشرق.
(٢) الوقر: الصمم.
(٣) ودى القتيل كوعى: أعطى ديته.
(٤) أخذها من قول الإمام على كرم الله وجهه فى بعض خطبه: «أعاليل بأضاليل» وفى كتب اللغة «العلالة بالضم والتعلة كتحية والعلة بالفتح: ما يتعلل به» ولم أجد فيها كلمة أعاليل ولا مفردها، ولا بد أن تكون جمع أعلولة بالضم، كأعاجيب وألاعيب ... الخ. والأباطيل: جمع أبطولة بالضم أو إبطالة بالكسر أو باطل على غير قياس.
(٥) النزوح: البعد.
(٦) الذى كتب فى اللغة «أودى الرجل: هلك، وأودى به الموت: أهلكه».

<<  <  ج: ص:  >  >>