للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تقصد موضعا إلا تلوتك، ولا تأتى بلدا إلا قفوتك، ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز وجل فى جدّ حبلها، وفصم (١) عروتها، فإنّ أحدا لا يؤوى مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا، فأمّا الدّين فأنت خارج من جملته، لمقامك على العقوق، ومخالفة ربك وإسخاطه، وأما الدنيا فما أراه بقى معك من الحطام الذى سرقته وحملت نفسك على الإيثار به، ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله، مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التى نستودعه تبارك وتعالى إياها، ونرغب إليه فى إنمائها، إلى ما أنت مقيم عليه من البغى الذى هو صارعك، والعقوق الذى هو طالبك.

وأما ما منّيتناه من مصيرك إلينا فى حشودك وجموعك ومن دحل فى طاعتك، لإصلاح عملنا، ومكافحة أعدائنا، بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا، فما كان إلا بسببك، فأصلح أيها الصبىّ الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا، واحزم فى أمرك قيل استعمالك الحزم لنا، فما أحوجنا الله- وله الحمد- إلى نصرتك وموازرتك، ولا اضطررنا إلى التكثّر بك على شقاقك ومعصيتك «وما كنت متّخذ المضلّين عضدا».

وليت شعرى على من تهوّل بالجنود، وتمخرق (٢) بذكر الجيوش؟ ومن هؤلاء المسخّرون لك، الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك، دون رزق ترزقهم إياه، ولا عطاء تدرّه عليهم؟ فقد علمت- إن كان لك تمييز، أو عندك تحصيل- كيف كانت حالك فى الوقعة التى كانت بناحية أطرابلس (٣)، وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتى هزمت، فكيف تغترّ بمن معك من الجنود الذين لا اسم لهم


(١) الجد: القطع. والفصم: القطع والكسر أيضا.
(٢) المخرقة: التمويه، والممخرق: المموه.
(٣) يقال فيها: طرابلس وأطرابلس كما جاء فى معجم ياقوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>