للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معك، ولا رزق يجرى لهم على يدك؟ فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك، والخوف من سلطانك، فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منا، ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك، وإنهم لأحرى بخذلك، والميل إلينا دونك، ولو كانوا جميعا معك، ومقيمين على نصرتك، لرجونا أن يمكن الله منك ومنهم، ويجعل دائرة السّوء عليك وعليهم، ويجرينا من عادته فى النصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضل علينا بأمثاله، ويتطوّل بأشباهه، فما دعانى إلى الإرجاء لك، والتسهيل من خناقك (١)، والإطالة من عنانك، طول هذه المدة إلا أمران: أغلبهما كان علىّ احتقار أمرك واستصغاره وقلة الاحتفال والاكتراث به، وأنى اقتصرت من عقوبتك على ما أحللته (٢) بنفسك من الإباق إلى أقاصى بلاد المغرب، شريدا عن منزلك وبلدك، فريدا من أهلك وولدك، والآخر أنى علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه، فأردت التسكين من نفارك، والطّمأنينة من جأشك (٣)، وعملت على أنك تحنّ إلينا حنين الولد، وتتوق إلى قربنا توقان ذى الرّحم والنسب، فإن فى رفقنا بك ما يعطفك إلينا، وفى تآخينا إياك ما يردّك علينا، ولم يسمع منا سامع فى خلاء ولا ملإ (٤) انتقاصا بك، ولا غضّا منك، ولا قدحا فيك، رقّة عليك، واستتماما لليد عندك، وتأميلا لان تكون الراجع من تلقاء نفسك، والموفّق بذلك لرشدك وحظّك، فأمّا الآن مع اضطرارك إياى إلى ما اضطررتنى إليه من الانزعاج نحوك، وحبسك رسلى النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك، واستعمالك المواربة والخداع فيما يجرى عليه تدبيرك، فما أنت بموضع للصيّانة، ولا أهل للإبقاء والمحافظة، بل اللعنة عليك حالّة، والذّمّة منك بريّة، والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة، والإضاعة


(١) الخناق: الحبل يخنق به.
(٢) فى الأصل «ما أخلقته» وأراه محرفا، والصواب ما ذكرته، والإباق: الهرب.
(٣) الجأش: رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع.
(٤) الملأ: الجماعة.
(٢١ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>