استجاب له من العمى، وأضلّ من أدبر وتولّى، حتى أظهر الله أمره، وأعز نصره، وقهر من خالفه، وأنجز له وعده، وختم به رسله، وقبضه مؤدّيا لأمره، مبلّغا لرسالته، ناصحا لأمته، مرضيا مهتديا إلى أكرم مآب المنقلبين، وأعلى منازل أنبيائه المرسلين، وعباده الفائزين، فصلّى الله عليه أفضل صلاة وأتمّها، وأجلّها وأعظمها، وأزكاها وأطهرها، وعلى آله الطيّبين، والحمد لله الذى جعل أمير المؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين، ورثة خاتم النبيين، وسيّد المرسلين، والقائمين بالدين، والمقوّمين لعباده المؤمنين، والمستحفظين ودائع الحكمة ومواريث النبوّة، والمستخلفين فى الأمة، والمنصورين بالعز والمنعة، والتأييد والغلبة، حتى يظهر الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون.
وقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامّة، من شبهة قد دخلتهم فى أديانهم، وفساد قد لحقهم فى معتقدهم، وعصبيّة قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا رويّة، وقلّدوا فيها قادة الضلالة بلا بيّنة ولا بصيرة، وخالفوا السّنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة، قال الله عز وجل:«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» خروجا عن الجماعة، ومسارعة إلى الفتنة، وإيثارا للفرقة، وتشتيتا للكلمة، وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة، وبتر منه العصمة، وأخرجه من الملّة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيما لمن صغّر الله حقّه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه، من بنى أمية الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة، وأسبغ عليهم به النعمة، من أهل بيت البركة والرحمة، قال الله عز وجل:«يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» * فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى فى ترك إنكاره حرجا عليه فى الدين، وفسادا لمن قلّده الله أمره من المسلمين، وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، وتبصير الجاهلين، وإقامة الحجة على الشاكّين، وبسط اليد على العابدين.