للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين، أن الله عز وجل لما ابتعث محمدا بدينه، وأمره أن يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته، فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشّرهم، ونصح لهم وأرشدهم، فكان من استجاب له وصدّق قوله واتّبع أمره نفر يسير من بنى أبيه، من بين مؤمن بما أتى به من ربه، وبين ناصر له وإن لم يتّبع دينه، إعزاز له وإشفاقا عليه، لماضى علم الله فيمن اختار منهم، ونفذت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته وإرث نبيّه، فمؤمنهم مجاهد ببصيرته، وكافرهم مجاهد بنصرته وحميّته، يدفعون من نابذه، ويقهرون من عارّه (١) وعانده، ويتوثّقون له ممن كانفه وعاضده، ويبايعون له من سمح بنصرته (٢)، ويتجسّسون له أخبار أعدائه (٣) ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأى العين، حتى بلغ المدى، وحان وقت الاهتداء، فدخلوا فى دين الله وطاعته وتصديق رسوله والإيمان به، بأثبت بصيرة،


(١) عاره معارة وعرارا: قانله وآذاه، وفى شرح ابن أبى الحديد «عازه» بالزاى، يقال: عازنى فعززته أى غالبنى فغلبته، وكانفه: عاونه وساعده.
(٢) يعنى بذلك جده العباس بن عبد المطلب، وما كان منه فى بيعة العقبة الثانية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل هجرته من مكة) كان قد تواعد مع أنصاره من أهل المدينة الذين استجابوا لدعوته (فى موسم الحج) أن يجتمع بهم عند العقبة ليلا خفية من قريش، ووافاهم هناك ومعه عمه العباس، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس، فقال: يا معشر الخزرج- وكانت العرب إنما يسمون هذا الحى من الأنصار الخزرج، خزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو فى عز من قومه ومنعة فى بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، وما نعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه فى عز ومنعة من قومه وبلده ... الخ- انظر تاريخ الطبرى ٢: ٢٣٨، وسيرة ابن هشام ١: ٢٦٦.
(٣) يعنى ما كان من العباس فى غزوة أحد، وذلك أن جيش المشركين كان قد خرج من مكة لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم- انتقاما لما أصابهم يوم بدر- حتى نزلوا مقابل المدينة، وبلغ الخبر رسول الله من كتاب بعث به إليه عمه العباس مع رجل استأجره لذلك ولم يخرج معهم فى هذه الحرب، محتحا بما أصابه يوم بدر ولم يساعدهم بشىء (وقد قدمنا فى ص ٨٧ من الجزء الثالث أنه كان خرج مع المشركين يوم بدر وأسر وأخذ رسول الله منه الفدية) وكان بمكة يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين، وقيل: إنه كان قد أسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إسلامه- انظر أسد الغابة ٣: ١١٠ والسيرة الحلبية ٢: ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>