للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة، وأهل بيت الدين، أذهب عنهم الرّجس (١) وطهّرهم تطهيرا، ومعدن الحكمة، وورثة النبوّة، وموضع الخلافة، وأوجب لهم الفضيلة، وألزم العباد لهم الطاعة.

وكان ممن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر، والسّواد الأعظم، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب (٢)، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف، ويبارزونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدّون عنه من قصده، وينالون بالتعذيب من اتّبعه، وكان أشدّهم فى ذلك عداوة، وأعظمهم له مخالفة، أوّلهم فى كل حرب ومناصبة، ورأسهم فى كل إجلاب (٣) وفتنة، لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها فى كل مواطن الحرب، من بدر وأحد والخندق والفتح، أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بنى أمية الملعونين فى كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله فى عدّة مواطن وعدة مواضع، لسابق علم الله فيهم، وماضى حكمه فى أمرهم وكفرهم ونفاقهم، فلم يزل- لعنه الله- يحارب مجاهدا، ويدافع مكايدا، ويجلب منابذا، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقوّل (٤) بالإسلام غير منطو عليه، وأسرّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم، وميّز له المؤلّفة قلوبهم (٥).


(١) الرجس: كل ما استقذر من العمل.
(٢) التثريب: اللوم.
(٣) الجلبة بالتحريك: اختلاط الأصوات وفعله كضرب ونصر، وقد أجلبوا وجلبوا.
(٤) وفى شرح ابن أبى الحديد «فتعوذ».
(٥) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتصر على هوازان وثقيف وجموعهم بحنين سنة ٨ هـ (وحنين بصيغة اتصغير: واد بين مكة والطائف) غنم منهم سبيا وغنائم كثيرة، فاعطى المؤلفة قلوبهم (وهم من أسلم من أهل مكة) وكانوا أشرافا من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فكان أولهم أبا سفيان بن حرب، أعطاه أربعين أوقية من الفضة ومائة من الإبل، قال: وابنى يزيد، فأعطاه كذلك قال: وابنى معاوية، فأعطاه كذلك، فأخذ أبو سفيان ثلاثمائة من الإبل ومائة-

<<  <  ج: ص:  >  >>