للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، ورميهم إياه بالنيران، لا يألون (١) له إحراقا وإخرابا، ولما حرّم الله منه استباحة وانتهاكا، ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا، ولمن أمّنه الله به إخافة وتشريدا، حتى إذا حقّت عليهم كلمة العذاب، واستحقّوا من الله الانتقام، وملئوا الأرض بالجور والعدوان، وعمّوا عباد الله بالظلم والاقتسار (٢)، وحلّت عليهم السّخطة، ونزلت بهم من الله السّطوة، أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته من استخلصهم منهم لخلافته، مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين، وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين، فسفك الله بهم دماءهم مرتدّين، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين، وقطع الله دابر القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين، ومكّن الله المستضعفين، وردّ الله الحقّ إلى أهله المستحقين، كما قال جل شأنه: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ».

واعلموا أيها الناس أن الله عز وجل إنما أمر ليطاع، ومثّل ليتمثّل، وحكم ليقبل، وألزم الأخذ بسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ليتّبع، وأن كثيرا ممن ضل فالنوى وانتقل من أهل الجهالة والسّفاه، ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وقد قال الله عز وجل: «فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ» وقال: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» وقال: «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» فانتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم، وراجعوا ما يرضيه عنكم، وارضوا من الله بما اختار لكم، والزموا ما أمركم به، وجانبوا ما نهاكم عنه، واتّبعوا الصراط المستقيم، والحجة البيّنة، والسّبل الواضحة، وأهل بيت الرحمة الذين هداكم الله بهم بديئا (٣)، واستنقذكم بهم من الجور والعدوان أخيرا، وأصاركم إلى الخفض والأمن والعزّ بدولتهم، وشملكم الصلاح فى أديانكم ومعايشكم فى أيامهم، والعنوا من لعنه الله ورسوله، وفارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته، اللهم العن أبا سفيان


(١) لا يألون: أى لا يقصرون.
(٢) الاقتسار: القهر.
(٣) أى أولا.
(٢٢ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>