للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة، فمن سديد القول الذى يليق بذوى الفضل والنّبل، ونحن- بحمد الله ونعمه علينا- بذلك عارفون، وإليه راغبون، وعليه باعثون، وفيه- بتوفيق الله إيانا- مجتهدون، وبه متواصون وعاملون، وإياه نسأل التوفيق لمراشد الأمور، وجوامع المصالح، بمنّه وقدرته.

وأمّا ما نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة، فإنا نرغب إلى الله جل وعلا، الذى تفرّد بكمال هذه الفضيلة، ووهبها لأوليائه، ثم أثابهم عليها، أن يوفّقنا لها، ويجعلنا من أهلها، وييسرنا للاجتهاد فيها، والاعتصام من زيغ الهوى عنها، وعرّة (١) القسوة بها، ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفا على طاعته، وموجبات مرضاته، حتى نكون أهلا لما وصفتنا به، وأحقّ حقّا بما دعوتنا إليه، وممن يستحق الزّلفى من الله تعالى، فإنا فقراء إلى رحمته، وحقّ لمن أنزله الله بحيث أنزلنا، وحمّله من جسيم الأمر ما حمّلنا، وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا بمولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- أن يبتهل (٢) إلى الله تعالى فى معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده، فإن ذلك إليه وبيده «ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور».

وأمّا ما وصفته من ارتفاع محلّك عن مرتبة من هو دون الخليفة فى المكاتبة، لما يقتضيه عظم ملككم، وأنه الملك القديم الموهوب من الله، الباقى على الدهر، وأنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحقّقته من حالنا عندك، فإن ذلك لو كان حقا، وكانت منزلتنا- كما ذكرته- تقصر عن منزلة من تكاتبه، وكان لك فى ترك مكاتبتنا غنم ورشد، لكان من الأمر البيّن أن أحظى وأرشد وأولى بمن حلّ محلك أن يعمل بما فيه صلاح رعيته، ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيبا، ولا يقع فى معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة، فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار، ويخوض


(١) العرة بالفتح: المعرة والخلة القبيحة، وبالضم: القذر، وتستعار للمساوى والمعايب.
(٢) الابتهال: الاجتهاد فى الدعاء وإخلاصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>