للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضى اجتهاده فى شكرها، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكورا إنه حميد مجيد.

وما كنت أحبّ أن أباهيك بشىء من أمر الدنيا، ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذى كرّمه وأظهره، ووعدنا فى عواقبه الغلبة الظاهرة، والقدرة القاهرة، ثم الفوز الأكبر يوم الدين، لكنك سلكت مسلكا لم يحسن أن نعدل عنه، وقلت قولا لم يسعنا التقصير فى جوابه، ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك، ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به، إذ نحن نكرم عن ذلك، ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك، وما يتصل بها من حسن سياستك ومذهبك فى الخير ومحبتك لأهله، وإحسانك لمن فى يدك من أسرى المسلمين، وعطفك عليهم، وتجاوزك فى الإحسان إليهم جميع من تقدّمك من سلفك، ومن كان محمودا فى أمره رغب فى محبته، لأن الخيّر أهل أن يحبّ حيث كان، فإن كنت إنما تؤهّل لمكاتبتك ومماثلتك، من اتسعت مملكته، وعظمت دولته، وحسنت سيرته، فهذه ممالك عظيمة، واسعة جمّة، وهى أجلّ الممالك التى ينتفع بها الأنام، وسرّ الأرض المخصوصة بالشرف، فإن الله قد جمع لنا الشرف كله، والولاء الذى جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- مخصوصين بذلك، إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا، والحمد لله رب العالمين الذى جمع لنا ذلك بمنّه وإحسانه، ومنه نرجو حسن السعى فيما يرضيه بلطفه، ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه. وإن كنت تجرى فى المكاتبة على رسم من تقدّمك، فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك، وجدت من كان تقدّمك قد كاتب من قبلنا من لم يحلّ محلّنا، ولا أغنى غناءنا (١) ولا ساس فى الأمور سياستنا، ولا قلّده مولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- ما قلّدنا، ولا فوّض إليه ما فوّض إلينا، وقد كوتب أبو الجيش خمارويه


(١) أغنى غناءه: كفى كفايته.

<<  <  ج: ص:  >  >>