للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم «الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإنى كتبت إليك بكتاب لم آلك فيه رشدا، ولم أدّخرك فيه نصحا، تحميدا لله، وأدبا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتدبّره بعقلك، وردّد فيه بصبرك، وأرعه سمعك، ثم اعقله بقلبك، وأحضره فهمك، ولا تغيبنّ عنه ذهنك، فإن فيه الفضل فى الدنيا، وحسن ثواب الله تعالى فى الآخرة.

أذكر نفسك غمرات الموت وكربه، وما هو نازل بك منه، وما أنت موقوف عليه بعد الموت، من العرض على الله سبحانه، ثم الحساب، ثم الخلود بعد الحساب، وأعدّ لله عز وجل ما يسهّل به عليك أهوال تلك المشاهد وكربها، فإنك لو رأيت أهل سخط الله تعالى، وما صاروا إليه من ألوان العذاب، وشدة نقمته عليهم، وسمعت زفيرهم فى النار وشهيقهم، مع كلوح (١) وجوههم، وطول غمهم وتقلّبهم فى دركاتها على وجوههم، لا يسمعون ولا يبصرون، ويدعون بالويل والثّبور (٢) - وأعظم من ذلك حسرة إعراض الله تعالى عنهم، وانقطاع رجائهم، وإجابته إياهم بعد طول الغم بقوله:

«اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ» - لم يتعاظمك (٣) شىء من الدنيا إن أردت النجاة من ذلك، ولا أمّنك من هوله، ولو قدّمت فى طلب النجاة منه جميع ما ملك أهل الدنيا، كان فى معاينتك ذلك صغيرا، ولو رأيت أهل طاعة الله تعالى، وما صاروا إليه من كرم الله عز وجل، ومنزلتهم مع قربهم من الله عز وجل، ونضرة وجوههم،


(١) كلح كمنع وكلوحا وكلاحا: تكشر فى عبوس.
(٢) الثبور: الهلاك.
(٣) تعاظمه: عظم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>