للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأبلعنى ريقى، ودعا أهل ثقته فاستشارهم، فقال له أخوه عتبة: استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص، فإنه من قد عرفت، فكتب معاوية إلى عمرو، وهو بفلسطين (١):


(١) فتح عمرو بن العاص مصر فى خلافة عمر بن الخطاب، وولاه عمر عليها، وبقى كذلك واليا عليها أول خلافة عثمان، ثم إن عثمان عزله عن الخراج واستعمله على الصلاة، واستعمل على الخراج عبد الله ابن سعد بن أبى سرح- وهو أخو عثمان من الرضاع- ثم جمعهما لعبد الله بن سعد وعزل عمرا، فلما قدم عمرو المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به، فقال: يا بن النابغة، ما أسرع ما قمل جريان جبتك (جريان القميص بضم الجيم والراء وكسرهما وتشديد الباء: جيبه) إنما عهدك بالعمل عاما أول، أتطعن على وتأتينى بوجه وتذهب عنى بآخر؟ والله لولا أكلة ما فعلت ذلك، فقال عمرو:
إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين فى رعيتك، فقال عثمان:
والله لقد استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك (الظلع فى الأصل غمز البعير فى مشيه، والمراد: على ما فيك من عيب وميل) فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقنى وهو عنى راض، فقال عثمان:
وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لا ستقمت، ولكنى لنت لك فاجترأت على .. - فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه، يأتى عليا مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتى الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتى طلحة مرة فيؤلبه على عثمان، ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان.
ولما قضد الثوار إلى المدينة أخرج لهم عثمان عليا فكلمهم فرجعوا عنه، وخطب عثمان الناس فقال «إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر، فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم» فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد: اتق الله يا عثمان فإنك قد ركبت نهابير (جمع نهبورة بالضم: أى مهلكة) وركبناها معك، فتب إلى الله نتب، فناداه عثمان. وإنك هناك يا بن النابغة! قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل.
فلما كان حصر عثمان الأول خرج عمرو من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع فنزل بها، وكان يقول: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، (نكأ القرحة كمنع: قشرها قبل أن تبرأ فنديت) والله إن كنت لألقى الراعى فأحرضه عليه.
فلما بلغه مقتل عثمان، قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادى السباع، من يلى هذا الأمر بعده؟
إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا (أى عطاء) وإن يله ابن أبى طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق (استنظف الشئ: أخذه كله، واستنظف الوالى ما عليه من الخراج: استوفاه) وهو أكره من يليه إلى، فبلغه أن عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص لينظر ما يصنع الناس؟ ثم نمى إليه أن معاوية بالشأم يأبى أن يبايع عليا، وأنه يعظم قتل عثمان ويحرض على الطلب بدمه، فاستشار ابنيه عبد الله ومحمد فى الأمر وقال: ما تريان؟
أما على فلا خير عنده، وهو رجل يدل بسابقته، وهو غير مشركى فى شئ من أمره. فقال له عبد الله:
أرى أن تكف يدك وتجلس فى بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه، وقال له محمد: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك أى صوت ولا ذكر، فرجح لديه أن يلحق بمعاوية، وكتب إليه يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان، وكان فيما كتب به إليه: «ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شى تملكه؟ فاصنع ما أنت صانع» فبعث إليه معاوية، فسار إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>