للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد: فإنى أدعوك بدعاية (١) الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين (٢)، فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الأريسيّين (٣)، و «يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً،


(١) أى بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهى كلمة التوحيد: أى أدعوك إليها، فالباء بمعنى إلى.
(٢) أى لإيمان أتباعك بسبب إيمانك، أو لإيمانك بعيسى، ثم بمحمد عليهما الصلاة والسلام.
(٣) وردت هذه الكلمة فى متن البخارى: «اليريسين». وجاء فى إرشاد السارى لشرح صحيح البخارى للقسطلانى. ج ١: ص ٩٣. «اليريسين» جمع يريس على وزن كريم، وفى رواية: «الأريسين» بقلب الياء الأولى همزة، وفى أخرى: «اليريسيين». بتشديد الياء بعد السين جمع يريسى، وفى أخرى:
«الأريسيين». بتشديد الياء بعد السين أيضا: وقلب الياء الأولى همزة جمع أريسى، وجاءت فى صحيح مسلم مرة بالرواية الثالثة: «اليريسيين». وأخرى بالرواية الرابعة: «الأريسيين». وفى لسان العرب:
«الإريسيين» جمع إريس كسكيت، ومن ذلك يتبين لك أن فى مفردها لغات: أريس ويريس ككريم.
وأريسى ويريسى كحقيقى، وإريس كسيكيت. وهو الأكار: أى الفلاح. قال الأزهرى: أحسب الأريس والإريس بمعنى الأكار من كلام أهل الشام، وقد جاء فى رواية الطبرى: «فإن إثم الأكارين عليك».
وكذا فى تاريخ ابن الأثير، وقال صاحب السيرة الحلبية: «وجاء فى رواية: إثم الفلاحين». وكذا فى شرح الزرقانى على المواهب» وفى فتح المبدى بشرح مختصر الزبيدى. ج ١: ص ٣٦.
وفى الكلام حذف دل عليه المعنى: أى فإن عليك مع إثمك إثم الأريسيين، وإنما خص هؤلاء: لأنهم أغلب رعاياه، وأسرعهم انقيادا، لجهلهم وسذاجتهم. وقيل المراد بالفلاحين أهل مملكته، لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلى ذلك بنفسه أم بغيره، والعجم عند العرب كلهم فلاحون لأنهم أهل زرع وحرث. فالمعنى: فإن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك. وقيل: كان أهل السواد ومن هو على دين كسرى أهل فلاحة وإثارة للأرض، وكان أهل الروم أهل أثاث وصنعة، فكانوا يقولون للمجوسى أريسى نسبوهم إلى الأريس، وهو الأكار وكانت العرب تسميهم الفلاحين، فأعلم النبى صلى الله عليه وسلم الروم أنهم وإن كانوا أهل كتاب، فإن عليهم من الإثم إن لم يؤمنوا بنبوته مثل إثم المجوس وفلاحى السواد الذين لا كتاب لهم. وقيل: أراد أن عليه إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليدا له، لأن الأصاغر أتباع الأكابر. وقيل: الإريس كسكيت: الأمير والأصل فيه رئيس كسكيت أيضا من الرياسة فقلب: أى فعليك إثم كبرائهم، وقد جاء فى رواية الأغانى: «فإن إثم الأكابر عليك».
والمعنى: أنك إن توليت عن إجابة الدعوة لم يجب إليها كبراء دولتك تبعا لك، ولو أنهم أسلموا لهدوا قومهم إلى الإسلام، لما لهم فيهم من الأمر المطاع والكلمة النافذة وقوة التأثير، فامتناعك عن الإسلام يحملهم إثما مضاعفا: إثم الامتناع عنه، وإثم القعود عن نصرته ونشره والسعى فى التنفير منه والصد عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>