للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرها (١)، وبعد أن كان أنف (٢) الإسلام كلّه لرسول الله صلى الله عليه وآله حربا.

وذكرت أنى قتلت طلحة والزبير، وشرّدت بعائشة، ونزلت المصرين، وذلك أمر غبت عنه، فلا عليك، ولا العذر فيه إليك.

وذكرت أنك زائرى فى المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (٣)، فإن كان فيك عجل فاسترفه (٤)، فإنى إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثنى إليك للنّقمة منك، وإن تزرنى فكما قال أخو بنى أسد:


(١) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثمان لفتح مكة فى جيش عدته عشرة آلاف مقاتل، ومضى حتى نزل مر الظهران، فأمر أصحابه أن يوقدوا النار، وبعثت قريش أبا سفيان وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يتجسون الأخبار، وسمع العباس بن عبد المطلب أبا سفيان وهو يقول لبديل: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا، فعرف صوته، فقال له: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله فأستأمنه لك، فركب خلفه ورجع صاحباه، حتى مر به عمر بن الخطاب فلما رآه على عجز البغلة، قال: أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد، وخرج يشتد نحو رسول الله، وقال له: دعنى فلأضرب عنقه، فقال العباس: يا رسول الله إنى قد أجرته، وأكثر عمر فى شأنه، فقال رسول الله: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتنى به، فلما أصبح غدا به إلى رسول الله، فقال له: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟
قال: بأبى أنت ما أحلمك وأكرمك وأو صلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عنى شيئا بعد، قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله؟ قال: بأبى أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن فى النفس منها حتى الآن شيئا بعد، فقال له العباس: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فتشهد وأسلم، فقال العباس:
يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا، فقال: نعم، من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن- انظر سيرة ابن هشام ٢: ٢٦٧ وشرح ابن أبى الحديد م ٤ ص ٢٠٨ وقد أسلم معاوية يوم الفتح كما قدمنا.
(٢) أنف كل شئ: أوله، أى وبعد أن كان من أسلم منكم محاربا لرسول الله طوال أول الإسلام، وقد كان أبو سفيان قائد الجيوش الغازية لرسول الله يوم أحد والخندق وأنف هنا منصوب على الظرفية واسم كان ضمير مستتر يعود على مسلمكم.
(٣) هو يزيد بن أبى سفيان أسر يوم الفتح كما قدمنا، وقد أسر أيضا أخوه عمرو بن أبى سفيان يوم بدر- انظر سيرة ابن هشام ٢: ٣١ - ولكن ليس هو المراد هنا كما جاء فى تفسير الأستاذ الشيخ محمد عبده، لقوله «وقد انقطعت الهجرة».
(٤) أى فكن ذا رفاهية واسترح ولا ترهقن نفسك بالعجل فلابد من تلاقينا، فأى حاجة بك إلى أن تعجل؟

<<  <  ج: ص:  >  >>