للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقبلين رياح الصّيف تضربهم ... بحاصب بين أغوار وجلمود (١)

وعندى السيف الذى أعضضته (٢) بجدّك وخالك وأخيك فى مقام واحد، وإنك والله- ما علمت- الأغلف (٣) القلب، المقارب العقل، والأولى أن يقال لك إنك رقيت سلّما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنك نشدت غير ضالتّك (٤)، ورعيت غير سائمتك، وطلبت أمرا لست من أهله ولا فى معدنه، فما أبعد قولك من فعلك (٥) وقريب ما أشبهت (٦) من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة، وتمنّى الباطل على الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله، فصرعوا مصارعهم، حيث لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، ولم تماشها (٧) الهوينى.

وقد أكثرت فى قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلىّ، أحملك وإياهم على كتاب الله تعالى، وأمّا تلك التى تريد فإنها خدعة الصبىّ عن اللّبن (فى أوّل الفصال (٨)، والسلام لأهله)».

(نهج البلاغة ٢: ٨٩)


(١) ريح حاصب: أى تحمل الحصباء وهى صغار الحصى، وأغوار: جمع غور بالفتح، وهو ما سفل من الأرض، والجلمود: الصخر، ولا يخفى أن ريح الصيف إذا كانت كذلك كانت شديدة اللفح عظيمة الضرر، والمعنى: وإن تغزونا تكونوا مستقبلين .. الخ أى تعرضوا أنفسكم لأشد الأخطار.
(٢) يقال: أعضضته الشئ: جعلته يعضه، وأعضضته سيفى: ضربته به، فهمزته للتعدية، وقوله:
أعضضته بجدك أى جعلته يعضه ويضربه والباء فيه زائدة، وقال ابن أبى الحديد: وأعضضته أى جعلته معضوضا برءوس أهلك، وأكثر ما يأتى أفعلته أن تجعله فاعلا، وهو هنا من المقلوب أى أعضضت رءوس أهلك به. وجده هو عتبة بن ربيعة جده لأمه، وخاله الوليد بن عتبة، وأخوه حنظلة بن أبى سفيان، قتلهم على يوم بدر.
(٣) الأغلف القلب: الذى لا بصيرة له كأن قلبه فى غلاف مقارب العقل: ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به.
(٤) الضالة: ما فقدته من مال ونحوه، ونشد الضالة: طلبها وعرفها، والسائمة: المال الراعى، والمعنى طلبت ما ليس لك.
(٥) كان معاوية بادئ الأمر يزعم أنه إنما نهض للطلب بدم عثمان الذى قتل مظلوما، وأنه لن يكف حتى يقتل قتلته، ثم تكون الخلافة شورى بين المسلمين، ولكنه كان يعمل لنيل الخلافة وتبوء عرشها.
(٦) ما مصدرية، أى وقريب شبهك.
(٧) لم تماشها: أى لم تصاحبها، بل مضت مسرعة فى الرءوس والأعناق.
(٨) الفصال: فطم المولود، وما بين القوسين زائد فى رواية ابن أبى الحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>