للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاقعس (١) عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، وشمّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الغواة من سمعك، وإلّا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك، فإنك مترف (٢) قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الرّوح والدم (٣).

ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة، وولاة أمر الأمّة (٤)، بغير قدم سابق، ولا شرف باسق (٥)؟ ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشفاء، وأحذّرك أن تكون متماديا فى غرّة الأمنيّة، مختلف العلانية والسريرة.

وقد دعوت إلى الحرب، فدع الناس جانبا واخرج إلىّ، وأعف الفريقين من القتال، لتعلم أينا المرين على قلبه، والمغطّى على بصره؟ فأنا أبو حسن قاتل جدّك وخالك وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك السيف معى، وبذلك القلب ألقى عدوى، ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيّا، وإنى لعلى المنهاج الذى تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين.

وزعمت أنك جئت ثائرا (٦) بعثمان، ولقد علمت حيث وقع دم عثمان، فاطلبه من هناك إن كنت طالبا، فكأنى قد رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضتك، ضجيج الجمال بالأثقال، وكأنى بجماعتك تدعونى- جزعا من الضرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع- إلى كتاب الله، وهى كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة».

(نهج البلاغة ٢: ٧)

صورة أخرى

وقال ابن أبى الحديد فى شرح النهج:

إن هذه الخطبة- يريد الرسالة- قد ذكرها نصر بن مزاحم فى كتاب صفين على


(١) أى تأخر.
(٢) أى قد أترفتك النعمة وأطغتك.
(٣) أخذها من قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم».
(٤) يعنى الأمة الإسلامية، وإلا فقد كان بنو عبد شمس فى الجاهلية ذوى رياسة وسيادة- لا على بنى هاشم- وكان عتبة بن ربيعة رئيس الجيش المحارب لرسول الله يوم بدر، وأبو سفيان قائدهم يوم أحد والخندق.
(٥) باسق: عال، والغرة: الغفلة.
(٦) ثأر به: طلب دمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>