للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه يقتضى أن ما ذكره الرضى رحمه الله منها قد ضم إليه بعض خطبة أخرى، وهذه عادته، لأن غرضه التقاط الفصيح والبليغ من كلامه.

والذى ذكره نصر بن مزاحم هذه صورته:

«من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبى سفيان:

سلام على من اتّبع الهدى، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد:

فإنك قد رأيت مرور الدنيا وانقضاءها وتصرّمها (١)، وتصرّفها بأهلها، وخير ما اكتسب من الدنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى، ومن بقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بعيدا.

واعلم يا معاوية أنك قد ادّعيت أمرا لست من أهله، لا فى القديم (٢)، ولا فى الحديث، ولست تقول فيه بأمر بيّن يعرف له أثر، ولا عليك منه شاهد، ولست متعلّقا بآية من كتاب الله، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فكيف أنت صانع إذا تقشّعت عنك غيابة (٣) ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها، وركنت إلى لذّاتها، وخلّى بينك وبين عدوك (٤) فيها، وهو غدوّ كلب مضلّ جاهد ملحّ مليح، مع ما قد ثبت فى نفسك من جهتها. دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجنّ.

ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، أو ولاة لأمر هذه الأمة، بلا قدم حسن، ولا شرف تليد (٥) على قومكم؟ ، فاستيقظ من سنتك، وارجع إلى خالقك، وشمّر لما سينزل بك، ولا تمكّن عدوك الشيطان من بغيته فيك، مع أنى أعرف أن الله ورسوله صادقان، نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء.


(١) أى انقضاءها أيضا
(٢) يعنى فى أول الإسلام، لأن معاوية من الطلقاء كما تقدم، وليس له سابقة فى الإسلام.
(٣) غيابة كل شئ: ما سترك منه
(٤) أى الشيطان، وكلب كفرح اشتد، وألاحه: أهلكه
(٥) أى قديم

<<  <  ج: ص:  >  >>