للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة مع النبى صلّى الله عليه وآله غير مرّة، إلا أن آجالهم عجّلت، ومنيّته أجّلت، والله ولىّ الإحسان إليهم، والمنّة عليهم، بما أسلفوا من أمر الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح فى طاعة الله ورسوله، ولا أصبر على الّلأواء (١)، والسّرّاء والضّرّاء، وحين البأس، ومواطن المكروه مع النبى صلى الله عليه وآله، من هؤلاء البّفر الذين سمّيت لك، وفى المهاجرين خير كثير يعرّف، جزاهم الله خيرا بأحسن أعمالهم.

فيا عجبا للدهر! إذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى، ولم تكن له كسابقتى التى لا يدلى أحد بمثلها، إلّا أن يدّعى مدّع ما لا أعرفه، ولا أظنّ الله يعرفه، والحمد لله على كل حال.

وذكرت حسدى الخلفاء وإبطائى عنهم وبغيى عليهم، فأما البغى فمعاذ الله أن يكون، وأما الإبطاء عنهم والكراهية لأمرهم فلست أعتذر إلى الناس من ذلك، إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله، قالت قريش: منا أمير. وقالت الأنصار: منا أمير، فقالت قريش: منا محمد، فنحن أحقّ بالأمر، فعرفت ذلك الأنصار، فسلّمت لهم الولاية والسلطان، فإذا استحقوها بمحمد صلى الله عليه وآله دون الأنصار، فإن أولى الناس بمحمد أحقّ به منهم، وإلّا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا، فلا أدرى: أصحابى سلموا من أن يكونوا حقّى أخذوا، أو الأنصار ظلموا؟

بل عرفت أن حقى هو المأخوذ، وقد تركته لهم، تجاوز الله عنهم.

وأما ما ذكرت من أمر عثمان، وقطيعتى رحمه، وتأليبى عليه، فإن عثمان عمل ما قد بلغك، فصنع الناس به ما رأيت، وإنك لتعلم أنى قد كنت فى عزلة عنه، إلا أن تتجنّى، فتجنّ ما بدا لك. وأما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان، فإنى نظرت فى هذا الأمر، وضربت أنفه وعينه (٢)، فلم أره يسعنى دفعهم إليك ولا إلى غيرك، ولعمرى


(١) اللأواء: الشدة.
(٢) جاء فى الأمثال «ضرب وجه الأمر وعينه» وهو مثل يضرب لمن يداور الشئون وبقلبها ظهر البطن من حسن التدبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>