للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعزم (١) الله لنا على منعه، والذّبّ عن حوزته، والرّمى من وراء حرمته (٢)، والقيام بأسيافنا دونه، فى ساعات الخوف بالليل والنهار، مؤمننا يبغى بذلك الأجر، وكافرنا يحامى عن الأصل (٣)، وأما من أسلم من قريش فإنهم مما نحن فيه خلاء (٤)، منهم الحليف الممنوع، ومنهم ذو العشيرة التى تدافع عنه، فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التّلف، فهم من القتل بمكان نجوة (٥) وأمن، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون.

ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك فى قتال المشركين، فكان إذا احمرّ الباس (٦)، وأحجم الناس ودعيت نزال، أقام أهل بيته فاستقدموا، فوقى بهم أصحابه حدّ الأسنّة والسيوف، فقتل عبيدة (٧) بن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر وزيد يوم مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه (٨) مثل الذى أرادوا من


(١) أى قضى الله لنا ووفقنا له وجعلنا عازمين عليه، والذب: الدفع، والحوزة: الناحية وبيضة الملك.
(٢) وفى رواية ابن أبى الحديد «من وراء حومته، وحومة الماء والرمل: معظمه، والرمى عنها المناضلة والمحاماة.
(٣) أى يدافع عن محمد حمية ومحافظة على النسب.
(٤) أى خالون منه. وفى نهج البلاغة «ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه، بحلف يمنعه، أو عشيرة تقوم دونه» والحلف بالكسر: العهد.
(٥) النجو مصدر نجا، كالنجاة والنجاء، والنجوة بالتاء: المكان المرتفع الذى تظن أنه نجاؤك، وهذه الكلمة زائدة فى رواية ابن أبى الحديد، وهى هنا مستعملة بمعنى المصدر، أو هى محرفة عن نجو.
(٦) أى اشتد القتال حتى احمرت الأرض من الدم، وهو مجاز كقولهم الموت الأحمر، وأحجم الناس:
أى كفوا عن الحرب وجبنوا عن الإقدام، يقال: حجمت فلانا عن كذا وأحجمه بالضم فأحجم هو، وهذه اللفظة من النوادر كقولهم كببته فأكب، ونزال: اسم فعل بمعنى انزل بمعنى المنازلة، ولذا أنت قال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دهيت نزال ولج فى الذعر
وقال آخر:
وقد علمت سلامة أن سيفى ... كريه كلما دعيت نزال
واستقدموا: تقدموا، ونهج البلاغة «قدم أهل بيته».
(٧) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، بارز يوم بدر عتبة بن ربيعة، فاختلفا بينهما ضربتين، كلاهما جرح صاحبه، فحمل على وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، واحتملا عبيدة جريحا، ثم مات من جراحته، وحمزة بن عبد المطلب عم الرسول قتل يوم أحد غافله وحشى- وهو مولى حبشى لجبير بن مطعم- وضربه فقتله، ومؤتة: قرية فى حدود الشأم، وكان عليه الصلاة والسلام جهز جيشا للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الأزدى رسوله إلى أمير بصرى، وأمر عليهم مولاه وحبه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى- وكان ذلك سنة ثمان للهجرة- وقال لهم: إن أصيب فالأمير جعفر بن أبى طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وقد قاتل ثلاثتهم حتى استشهدوا فى تلك الغزوة.
(٨) يعنى نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>