للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح (١) أصلنا، وهمّوا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل (٢)، ومنعونا المسيرة، وأمسكوا عنا العذب، وأحلسونا (٣) الخوف، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون، واضطرّونا إلى جبل وعر (٤)، وأوقدوا لنا نار الحرب، وكتبوا بينهم كتابا (٥): لا يؤا كلوننا ولا يشاربوننا ولا ينا كحوننا ولا يبايعوننا، ولا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمدا يقتلونه ويمثّلون به، فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم،


(١) الاجتياح: الاستئصال، والهموم منصوب على المصدرية وأل فيه عهدية، أى وهموا بنا تلك الهموم التى تعرفونها.
(٢) الأفاعيل جمع أفعولة بالضم: أى فعلوا بنا الأفعال المنكرة، والمسيرة:
المسير، والعذب: أى العيش العذب أى الهنئ- وقد نقل أنهم منعوا من الماء العذب أيام الحصار فى شعب بنى هاشم.
(٣) أحلسونا الخوف: أى ألزموناه، والحلس بالكسر وكسبب: كساء رقيق يكون على ظهر البعير تحت الرحل، وما يبسط فى البيت تحت حر المتاع، وأحلس البعير: إذا جعل عليه الحلس، ويقال: فلان حلس بيته إذا لم يبرحه على المثل، فالمعنى: وجعلوا الخوف ملازما لنا كالحلس الملازم لظهر البعير، أو كالحلس الملازم للبيت، والرصد بالتحريك: القوم يرصدون كالحرس، يستوى فيه الواحد والجمع والمؤنث، وربما قالوا أرصاد، والعيون: الجواسيس جمع عين.
(٤) مثل ضربه عليه السلام لخشونة مقامهم وشظف منزلهم إبان مضايقة قريش لهم، ويجوز أن يكون حقيقة لا مثلا، لأن الشعب (بالكسر) الذى حصروهم فيه مضيق بين جبلين.
(٥) اشتد إيذاء قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين معه أول الإسلام، وطال عليهم البلاء والعذاب كما هو مشهور. ثم إن قريشا اجتمعوا وأتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب: على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، فكتبوا ذلك فى صحيفة وتعاهدوا وتواثقوا عليه، ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة تو كيدا على أنفسهم- وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف- فلما فعلت ذلك قريش انحاز بنو هاشم وبنو المطلب (مسلمهم وكافرهم) إلى أبى طالب بن عبد المطلب، فدخلوا معه فى شعبه فاجتمعوا إليه، وخرج منهم أبو لهب ابن عبد المطلب إلى قريش فظاهرهم على قومه، وضاق الأمر ببنى هاشم، وعدموا القوت إلا ما كان يحمل إليهم سرا وخفية، وهو شئ قليل لا يمسك أرماقهم، وأخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد، ولا يدخل إليهم أحد، وذلك أشد ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بمكة، وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا، حتى ائتمر خمسة نفر من قريش- وهم هشام بن عمرو بن الحارث وزهير بن أبى أمية بن المعيرة والمطعم بن عدى بن نوفل وأبو البخترى بن هشام بن الحارث وزمعة بن الأسود ابن المطلب- وتعاقدوا على القيام فى الصحيفة حتى ينقضوها، (وكان أولهم أحسنهم بلاء فى ذلك) وقام المطعم إليها فحطها وشقها- وذكروا أنهم وجدوا الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من باسمك اللهم، وأن كاتبها شلت يده- فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم من حصار الشعب- انظر سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢١٥ - ٢٢٩ وشرح ابن أبى الحديد م ٣ ص ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>