للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رشيدا حميدا، قد بلّغ الشرع، ومحق الشّرك، وأخمد نار الإفك، فأحسن الله جزاءه، وضاعف عليه نعمه وآلاءه (١)، ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه الصلاة والسلام بأصحاب أيّدوه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» فكان أفضلهم مرتبة، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة الخليفة الأول، الذى جمع الكلمة، ولمّ الدّعوة وقاتل أهل الرّدّة، ثم الخليفة الثانى الذى فتح الفتوح، ومصّر الأمصار، وأذلّ رقاب المشركين، ثم الخليفة الثالث المظلوم الذى نشر الملّة، وطبّق (٢) الآفاق بالكلمة الحنيفيّة.

فلما استوثق الإسلام وضرب بجرانه (٣)، عدوت عليه، فبغيته الغوائل، ونصبت له المكايد، وضربت له بطن الأمر وظهره، ودسست عليه وأغريت به، وقعدت- حيث استنصرك- عن نصره، وسألك أن تدركه قبل أن يمزّق فما أدركته، وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت فى بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخّروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر وحسدته، واستطلت مدته وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنك حاولت قتل ولده (٤) لأنه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشدّ منك


(١) الآلاء: النعم، واحدها إلى كحمل وألو وألى كشمس، وألى كفتى، وإلى كرضا.
(٢) من طبق السحاب الجو: أى غشاه.
(٣) جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، ومعنى ضرب الإسلام بجرانه. أى استقام وقر فى قراره كما أن البعير إذا برك واستراح مد جرانه على الأرض.
(٤) يعنى عبيد الله بن عمر، وذلك أنه لما قتل أبو لؤلؤة فيروز المجوسى أباه عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما قدمنا، قال عبد الرحمن بن أبى بكر غداة طعن عمر: مررت عشى أمس على أبى لؤلؤة، ومعه الهرمزان وجفينة (وجفينة رجل نصرانى من العباد- بكسر العين- من أهل الحيرة أقدمه إلى المدينة سعد ابن أبى وقاص ليعلم بها الكتابة) وهم نجى (أى يتناجون ويتسارون) فلما رهقتهم (بكسر الهاء أى عشيتهم) ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه فى وسطه، فانظروا بأى شئ قتل، فجئ بالخنجر الذى وصف ابن أبى بكر، فسمع بذلك عبيد الله بن عمر فأمسك حتى مات عمر، ثم اشتمل على السيف فقتل الهرمزان وجفينة وابن فيروز، فنهاه الناس فلم ينته وكان يقول: والله لأقتلن رجالا ممن شرك فى دم أبى- يعرض بالمهاجرين والأنصار- فأرسل إليه صهيب (وكان عمر أوصى أن يصلى صهيب بالناس إلى-

<<  <  ج: ص:  >  >>